السؤال :
أنا شاب مسلم من بلد عربي وتواجهني هذه الأيام مشكلة في عملي. فأعمل في شركة للاتصالات (متعامل الهاتف النقال) أعمل في قسم الهندسة ، والمشكل هو أنه من وقت لآخر تأتينا أوامر من قسم التسويق بأن نفتح للزبائن أرقاما خاصة (أرقام قصيرة) بعضها نرى فيه إشكالا من الناحية الدينية كتلك التي تستعمل لمسابقات الغناء . علما أني إذا امتنعت فسأطرد من وظيفتي ، وما يزيد مشكلتي تعقيدا هو أنني علي ديون مطالب بسدادها ، وكذا مصاريف الزواج الذي أنا مقبل عليه إن شاء الله تعالى ، وأنا ممن يريدون التعجيل بالزواج، ففتنة النساء في مجتمعنا لا تحتمل، وكل هذا يزيدني هما على هم وإلى الله المشتكى والله المستعان . فأنا أسألكم ، هل تجعل هذه الأرقام ؛ دخلي الشهري كله حراما أم بعضه ؟ فعملي لا إشكال فيه إلا هذه الأرقام، ومن هذا المنطلق، هل يكفي إخراج نسبة من راتبي الشهري كهبة للفقراء والمساكين لا أرجو أجرها وإنما أبتغي طهارة مالي، أنا أعتقد أنه ما خاب من استخار، ولقد استخرت ربي قبل أن أبد العمل في هذه الشركة، ولقد يسر لي الله فيها ما لم ييسر لي في غيرها من الشركات، ولقد قبلت فيها رغم أنني تعثرت قليلا في استجوابي فيها، وقبلت فيها أيضا وإنا لا أملك وثيقة الخدمة الوطنية، وهي مشترطة في الملف، ولم يقبل غيري بعد دخولي بسبب هذه الوثيقة رغم كفاءتهم. أليس هذا تيسيرا من الله تعالى وأنه ارتضى لي هذا العمل؟ والله أنا في حيرة كبيرة من أمري فأرجو منكم الإفادة، وأسأل الله لي ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الغناء المشتمل على الموسيقى ، أو كلمات الخنا والفجور ، أو غناء المرأة للرجال ، كل ذلك حرام ، لأدلة كثيرة ، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (5000) ، ورقم (20406) ورقم (43736 )
وعليه ، فلا يجوز إقامة مسابقات الغناء ، ولا بذل الأموال في ذلك من المتصل أو الشركة ، ولا إعانتهم بإعطائهم أرقام الاتصال ونحو ذلك من صور الإعانة ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49).
فكيف بمن لا ينكر ، بل يعين على المنكر.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) أخرجه مسلم في صحيحه (4831).
ولذلك فالواجب أن تمتنع عن المشاركة في إصدار هذه الأرقام ، لأنه عمل محرم ، وما يقابله من الراتب محرم كذلك ، وتخلصك من هذا القدر فيه فائدة التخلص من المال الحرام ، لكن يبقى إثم العمل ، لا سيما وهو عمل يتعدى ضرره للآخرين ، وفيه نشر للشر وتكثيرٌ له .
ثانيا :
لا يستدل بالاستخارة على إباحة العمل المحرم ، فقد يختار الله للعبد وظيفة معينة ، يبتلى فيها بشيء من الحرام ، فيتركه لله ، فيعوضه الله خيرا منه ، ويزيده سبحانه إيمانا وثباتا وتوكلا ، فيكون سوقه للعمل المحرم أو لما فيه حرام خيراً له ، وقد يسوقه لهذا العمل ليكون بداية يقظة له ، فيسأل ويعلم ، ويتوب ويراجع ، ويُفتح له باب من الخير لم يكن منتبها له ، وبالجملة فهذا من الغيب الذي لا يعلمه العبد ، والواجب عليه أن يقف عند حدود ما يعلم ، فلا يرتكب الحرام اعتمادا على تيسير العمل .
ولهذا نص العلماء على أن الاستخارة لا تكون في الأمور المحرمة أو المكروهة ، فلو أن راغب الحرام استخار فيه ، ثم سهلت له أسبابه ، لم يكن ذلك نافعا له ، بل هو بذلك يخادع نفسه ويضلها ؛ لأن الله تعالى حدّ حدودا وشرع شرائع لا يجوز تجاوزها ، كما قال تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة/187.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري" (11/184) في شرح حديث الاستخارة : "قال بن أبي جمرة : فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما ، والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه .
قلت (الحافظ) : وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا" انتهى .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب