بسم
الله الرحمن الرحيمخطبة
الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة[center]لفضيلة الشيخ : صالح بن
حميد
والتي تحدث فيها فضيلته عن : الأمن اللغوي الحمد لله، الحمد لله وهو الأحق أن يحمد، سبحانه وبحمده هو
الواحد الأحد، الفرد الصمد، أستغفره وأتوب إليه، وأشكره وأثني عليه، وأسأله المزيد
من فضله وكرمه، عطاءه جزيل وفضله عميم، وخزائنه لا تنفد، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدًا عبد الله ورسوله، نبيٌ لا يكذَّب ورسولٌ لا يعبد، صلى الله وسلم وبارك عليه
وعلى آله وأصحابه ساروا على هدي محمد، فكانوا بالخير أسعد، والتابعين ومن تبعهم
بإحسان وأخلص لربه وتعبَّد، أما بعد: فأوصيكم
-أيها الناس ونفسي-
بتقوى الله عز
وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فتقوى الله هي الوصية الجامعة، والذخيرة النافعة،
واستعدوا للمنايا فهي لا بدّ واقعة، واحذروا زخارف الدنيا المضلة، فمن استكثر منها
فما ازداد إلا قلة، وليكن استكثاركم وازديادكم من التقوى، فهي خير زاد يٰأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ
ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر:
18].أيها
المسلمون:
من
أحب الله أحب رسوله محمدًا
،
ومن أحب رسوله محمدًا
أحب لغة القرآن الكريم، لغةٌ كريمة، نزل
بها أفضل كتاب، ونطق بها أفضل مخلوق
،
هي وعاء علوم الدين، وذخائر التراث، لا تكون معرفة القرآن والسنة إلا بها، ولا يتم
فهم علومهما ومقاصدهما بدونها، تعلُّمُها وإتقانها من الديانة، فهي أداة علم
الشريعة ومفتاح الفقه في الدين.
أيها
الإخوة المسلمون:
لغة
الأمة ميزان دقيق، ومعيار أساس في حفظ الهوية وتحديد الذات، فهي شريان الأمة، وأقنوم
الحضارة، ومصدر عظيم من مصادر القوة، وإذا أضاعت أمة لسانها أضاعت تأريخها
وحضارتها كما تُضيِّع حاضرها ومستقبلها.
اللغة
من أهم ملامح الشخصية الإنسانية، إن لم تكن أهمها، اللغة هي التي تربط المرء بأهله
وأمته ودينه وثقافته، فهي التأريخ، وهي الجغرافيا، اللغة مظهر من مظاهر قوة الابتكار
في الأمة، فإذا ضعفت قوة الابتكار توقفت اللغة، وإذا توقفت اللغة تقهقرت الأمة،
وإذا تقهقرت الأمة فذلكم هو الموت والاضمحلال والاندثار.
إن
شواهد التأريخ قديمها وحديثها تُظهر بجلاء أنه لم تتقدم دولة، ولم تُشَد حضارة ما
لم تكن العلوم والتعليم بلغة الأمة نفسها، لا بلغة أجنبية عنها.
أيها
المسلمون:
وفي
شواهد التأريخ أيضًا: لقد استطاعت لغة القرآن الكريم أن تحقق متطلبات المجتمع التاريخية
عبر الأحقاب المختلفة، بكل المستويات، الدينية والعلمية، والاقتصادية والاجتماعية،
والسياسية والعسكرية، في عصر النبوة، ثم الخلافة الراشدة، ثم في حكم بني أمية، وما
رافقه من تعريب الدواوين، ونظم الإدارة للمجتمعات المختلفة، والأقاليم، والجيوش،
والحياة العامة، كما استجابت اللغة لحاجات الحضارة أيام بني العباس، وما واكبها من
حركة الترجمة، بل هي لا غيرها كانت لغة العلم والبحث العلمي، في الطب، والعلوم،
والرياضيات، والفلك، والهندسة، وغيرها.
الدولة
الإسلامية على مرّ عصورها لم تأخذ من الأمم في احتكاكها معها إلا بمقدار الحاجة الماسة
للتعبير عن بعض المعاني التي لم تكن موجودة في لغتها، ولم تفتنهم لغات هذه الأمم
رغم حضارتها العريقة، كفارس والروم واليونان، بل زادهم ذلك تمسكًا وحرصًا.
والعجيب
في هذا التأريخ الإسلامي العظيم، وهذا الدين الأخَّاذ أن أبناء الأمم الأخرى هم
الذين كانوا يتسابقون إلى تعلم لغة القرآن، لغة الدين والعلم، بل هم الذين نبغوا
فيها، وشاركوا على نحو مُدهش في وضع قواعدها، وجمع معاجمها، انطلاقًا من الشعور
الإسلامي الرائع، الذي أحلّ لغة القرآن أرفع المنازل؛ لأنها لغة الدين والتنزيل.
وفي
كل أرجاء الأمة وأصقاعها تتردد أصداء هذا الحديث النبوي فيما يروى عنه
أنه قال: ((إن العربية
ليست لأحدكم بأب ولا أم، إنما هي اللسان، فمن تلكم العربية فهو عربي)) والحديث
ضعيف في إسناده، ولكنه صحيح في معناه، كما يقرّر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله.
أيها
الإخوة في الله:
وإذا
كانت لغة القرآن، ولغة الإسلام بهذه القوة، وبهذه المقدرة، وبهذه المنزلة، فلا غرابة
أن تكون مستهدفة من أعدائها، فلقد عَلِمَ المشتغلون بدراسات التاريخ المعاصر، والمتابعون
لمسيرة الاستعمار، وسياساته أن التهجم على اللغة، والتهوين من شأنها، والسخرية من
المشتغلين بها، والتهكم بها في وسائل الإعلام، والقصص، والروايات، والمسرحيات، في
سياسات مرسومة، وحملات مكثفة، ثم تلقّف ذلك مِن بعدهم وعلى طريقهم أذناب وأجراء
وعملاء.
نعم،
ليس من المستغرب أن تتعرض لغة شعب من الشعوب في مرحلة الغزو والاحتلال إلى الإذابة
والمحو؛ لأن اللغة معلم بارز في تحديد الهوية وإثبات الذات، فكيف إذا كانت اللغة
هي لغة القرآن، ولسان الإسلام؟!
وقد
يكون من غير الحصيف -أيها الإخوة- أن نلوم أعداءنا فيما يقومون من أجل مصالحهم، وتحقيق
أهدافهم، وسعيهم في تحطيم غيرهم، ولكنَّ الأسف والأسى أن يصدر ذلك ويتبناه فئات من
بني قومنا، تعلقوا بالأجنبي، وولّوا وجوههم شطره، ثقافيًا وفكريًا، وأصبحوا ينظرون
إلى ثقافة الإسلام بازدراء، وإلى لغة القرآن باحتقار، والأجنبي لم يضمن ولاءهم
اللغوي فحسب، ولكنه ضمن ولاءهم الفكري والسياسي.
لماذا
هانت علينا أنفسنا؟ وهانت علينا بلادنا؟ وهانت علينا لغتنا، لغة ديننا ولغة قرآننا؟
إن
ما أصاب الأمة من ظروف سياسية واقتصادية وضعف في الديانة أدى إلى ركود الفكر، وضعف
الثقافة حتى آل الأمر إلى هذه التبعية المشينة.
إن
الأزمة أزمة عزّة لا أزمة لغة، وأزمة ناطقين لا أزمة كلمات، لم تضعف اللغة ولم تعجز،
ولكن ضعف أبناؤها، وقصَّر حُماتها، إن من الظلم والحيف أن يتَّهم هؤلاء الأبناء
العاقون الكسالى لغتهم من غير حجة ولا برهان، ضعافٌ في أنفسهم، مهازيل في طموحاتهم،
يُرهبون أنفسهم بثورة المعلومات، وترتجف قلوبهم لتقدم التقنيات.
مسكين
هذا المثقف الذي ضعف وتخاذل، فشرَّق وغرَّب، يفتِّش لعله يجد له ملجأ أو مدَّخلا.
ما
الذي يريده هؤلاء المساكين؟ هل يريدون أن ينسلخوا من هويتهم فيهاجروا بألسنتهم وعقولهم
إلى أعدائهم ويتحولوا إلى مخلوقات تفكر بعقول غير عقولها، ورطانة بلسان غير لسانها؟!
هل يتخلون عن هويتهم ودينهم وعزهم بسبب نظرة ضيقة ومنفعة آنية هي في مآلها ومصيرها
ضرر ماحق، وخطر داهم، وبلاء محدق؟!
أيها
المسلمون:
ويزداد
الضعف ويتجلى الهوان عند هؤلاء المشككين حين يتفوّهون بقولهم: إن استخدام لغة
الأمة قد يسبب عزوف الطلاب عن إتقان اللغة الأجنبية، مما يؤدي إلى ابتعادهم عن
الأبحاث الجديدة، والتطور السريع.
ويحدثك
آخرون عن سوق العمل، فترى مخذولين مبهورين، يفاخرون في بعض كلياتهم وأقسامهم بأنهم
يدرسون جميع العلوم لديهم بلغة الأجنبي، بحجة أن سوق العمل يتطلب ذلك.
وهي
حجج يعلم الله، ويعلم المؤمنون، ويعلم العقلاء أنها واهية، بل هي –والله- أوهى من بيت
العنكبوت لو كانوا يعلمون.
ولكنها
أحوال تذكِّر بعهود التسلط والاستعمار، في بعض البلدان في الماضي، وما أشبه
الأجواء الثقافية لعهد العولمة الحاضر بالأجواء الثقافية بعهد الاستعمار الغابر،
من حيث تسويغ الاستلاب الثقافي والديني عن طريق الهجوم الشرس على اللغة وزعزعتها
في حياة الأمة، وإحلال اللغة الأجنبية بمسوّغات بالية.
وحين
يحدثونك عن اللغة وسوق العمل ليتهم يحدثونك عن مصطلحات علمية، وتقنيات متقدمة، واتصال
بالجديد من العلم والتقنية، ولكنه مع الأسف ليس سوى إتاحة لعمالة وافدة متوسطة
التأهيل، ومتدنية الكفاءة، تتربّع على مواقع العمل في المؤسسات والشركات، والأسواق
والتجارة، مهمتهم عرض البضائع وترويج السلع، وترتيب المستودعات، وقيد السجلات، وضبط
المراسلات.
سوق
عمل مخزي، تحولت فيه المستشفيات والفنادق وبعض أقسام الجامعات وبعض الأسواق ومعارض
البضائع والتجارات واللوحات الإعلانية والتجارية، تحول كل ذلك إلى بيئات أجنبية، يتبادل
فيها أبناء الأمة لغة أو لغات أجنبية، حتى تحولت قوائم الأطعمة والسلع والأسعار
إلى اللغة الأجنبية، وفَرضت وجودها وأَنماطها على شرائح واسعة من أجيال الأمة،
فاضطربت لغة التخاطب، وفسدت الألسن، وزادوا تخلفًا إلى تخلفهم، وضعفًا إلى ضعفهم،
وامتلأت سوق العمل بالوافدين من غير حاجة حقيقية، ويريدون من أبناء الأمة أن يتحدثوا
اللغة الأجنبية من أجل هؤلاء، زاعمين أنهم بهذا يهيئون لأبنائهم فرص العمل.
أيها
المسلمون، أيها المخلصون:
إن
وجود وافدين مهما كان عددهم، ومهما كانت الحاجة إليهم، بل مهما كان مستواهم العلمي
والفني، لا يجوز أن يكون سبيلاً للتفريط في السيادة على أرضنا، وقد علم العقلاء والاجتماعيون،
فضلاً عن العلماء والمربين أن اللغة من أهم مظاهر السيادة، وكم تمزقت بلاد حين
تعددت لغاتها، بل لقد ظهرت مبادئ انشقاق وطني في بعض الشعوب، وتصدعت صفوفها،
وتسببت في إثارة الفتن والنعرات من أبناء البلد الواحد مما تُشَاهَد آثاره المدمرة
ماثلة أمام العيان، والأعداء لنارها يوقدون.
إن
من الغفلة الشنيعة الزعم بأن مصلحة السوق، ودواعي الاستثمار تتطلب لغة أجنبية، فكل
بلاد العالم ولا سيما المتصدرة منها قائمة التقديمة لا يمكن أن تُؤْثِر شيئًا على لغتها
مهما كانت الأسباب والدواعي والدوافع.
أما
كان الأجدر بهؤلاء إن كانوا وطنيين مخلصين أن يجعلوا تحدث لغتنا شرطًا في العمالة الوافدة،
بدلاً من إجبار أبنائنا أن يتحدثوا لغة أجنبية من أجل هؤلاء الوافدين؟! إنها -لوالله-
لانتكاسة عجيبة.
وبعد
أيها الأخوة:
وفي
محاسبة جادة، ومساءلة صادقة، إن كثيرًا من الشعوب الموصوفة بالنامية قد انزلقت في تعليم
أو تعميم اللغة الأجنبية في أبنائها، فماذا أفادت وماذا استفادت؟ هل خرجت من طوق
النامية هذا؟!
إن
أعداءكم اليهود قد أحيوا لهم لغة مندثرة، لا حضارة لها ولا تأريخ، فأصبحت هي لغة العلم
والأدب والحياة.
إن
أي أمة تروم التقدم والقوة والعزة والاعتماد بعد الله على نفسها لا يمكن أن تمتلك زمام
العلم والتقنية إلا حين تُعلّم ذلك كلَّه بلغتها.
أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم
وَإِنَّهُ
لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ
عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنْذِرِينَ
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ
يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ
[الشعراء: 192ـ 197].
نفعني
الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد
، وأقول
قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه
هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمد
لله على توفيقه وهدايته، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه لا منتهى لغايته، وأستغفر
الله وأستهديه، وأسأله الإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته وربوبيته ووحدانيته، وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اجتباه من خلقه واصطفاه لرسالته، صلى
الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما
بعد:
فاتقوا
الله عباد الله في كل حال، وأخلصوا له في الأقوال والأعمال، والزموا الطاعات والامتثال.
أيها
الإخوة المسلمون:
لقد
ظهرت دعوات تطالب بتعليم اللغة الأجنبية للأطفال الصغار، من الصفوف الأولى، وعلت نداءات
تدعو إلى تدريس لغة الأجنبي في جميع العلوم، وتعالت أصوات تريد جعل اللغة الأجنبية
شرطًا لتحصيل الوظيفة أو العمل.
أيها
الإخوة المخلصون:
لا
بد في الأمة من شموخ لا يحني هامتَه لإغراءات وضع اقتصادي طارئ، أو آليات سوق
عابر، أو مكاسب وقتية، عاقبتها الهلاك والدمار، والذوبان والاندثار.
إن
من التناقض الصارخ، والغفلة القاتلة أن يتحدث رواد الفكر والمثقفون عن توطين التقنيات،
واستنبات العلوم في أرض الوطن، وهم في الوقت نفسه يُصرّون على الدعوة إلى تدريس
العلوم والتقنيات باللغة الأجنبية، والتي لن يتقنها المتعلمون من غير أهلها، ولو
أتقنوها -عياذًا بالله- كما يتقنها أهلها، فقل: على الأمة وعلى لغتها، بل على وجودها
السلام.
أيها
المسلمون:
إن
الحل والسلامة، والحصانة والمشاركة الحقيقية في البناء، وسلوك مسالك التقدم الصحيح
والنظيف هو بالتصدي لخطر الإذابة بالعمل المنظم الجادّ، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء،
والكتابات الخرساء، عملٌ جاد يُكسب المناعة ضد محاولات الإذابة، وطمس الهوية، ومن
ثمَّ المشاركة في البناء، ومعطيات الحضارة الصالحة النافعة.
إن
كان في الأمة غيرة، وإن كان ثمة صدق وجدّ في خدمة الدين، والأمة واللغة، فالطريق واضح
والمحجّة بينة.
الأمة
تحتاج إلى سياسة لغوية، فليست المشكلة ولا القضية في المعرفة النظرية لقواعد اللغة
وأصولها، بل الذي يحتاجه عموم الناس والمتكلمون هو الكفاءة اللغوية في النطق والكتابة
والتعبير، نحتاج إلى سياسة لغوية تنسق عمل المؤسسات المعنية باللغة، وخطاب الناس،
ولا سيما الإعلام بوسائله، والتعليم بمناهجه وطرائقه فتكون الفصحى الميسرة هي
الهدف المنشود التحقيق، وحينئذ لا تكون اللغة مادة دراسية مجردة مفردة معزولة، محصورة
بين حيطان قاعات الدراسة في ساعات محدودة، بل يجب أن تكون هي لغة الحياة في كل
ميادينها. مطلوبٌ الاهتمام الخاص باللغة في التعليم العالي، في الأقسام العلمية والنظرية،
وإلزام الالتزام بها تدريسًا وتحدثًا وكتابة. مطلوبٌ الغيرة الصادقة على اللغة في
الوقفة الصارمة أمام هذه الأسماء التجارية والصناعية الوافدة، التي لا تعكس سوى
الانهزام والتبعية، والشعور بالذلة والدونية.
وبعد
أيها الأحبة في الله:
فإن
قوة اللغة واستمرارها -بإذن الله- يعتمد بالدرجة الأولى على وعي الأمة وحرصها على رعايتها
وحمايتها وانتشارها، واليقين الجازم بأنها صالحة لمقتضيات الحال، قادرة على متطلبات
الوقت، ومعطيات التحضر، ومستجدات التطور.
وتلك
أهداف كبرى تخطط لها الدولة المحترمة والأمة العظيمة فتقيم المؤسسات المتخصصة، وتبني
مراكز البحوث المتقدمة، وتؤسس الهيئات الفنية لتعليم اللغة، وتطوير أساليب تدريسها،
وترجمة المصطلحات الأجنبية.
لا
بد أن يبقى للغتنا شموخها، ولا بد من تقوية المناعة الذاتية في جسم أبناء الأمة، والاعتزاز
بالدين والدار، والتعامل مع اللغات الأجنبية ببصيرة، وحسن استفادة من غير ذوبان.
يجب
أن نُعلن ونُلقن ونرسم أننا بحاجة إلى الأمن اللغوي، كما أننا بحاجة إلى الأمن الفكري،
والغذائي، والمائي، فكل أولئك من ضروريات الحياة، والعيش الكريم.
هذا
هو الطريق، وذلكم هم المسار، وعلى الله قصد السبيل،
وَكَفَىٰ
بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً
[الفرقان:31].
هذا
وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا فقال
عز قائلاً عليمًا:
إِنَّ
ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً
[الأحزاب: 56].
اللهم
صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، نبي الرحمة والملحمة، وعلى آله الطيبين الطاهرين،
وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر
وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام
والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين،
وانصر عبادك المؤمنين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد
بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر
والتقوى، وأعز به دينك وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجعله نصرة
للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك
محمد
،
واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق
يا رب العالمين. اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه
أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير. اللهم
انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز
دينك، اللهم
انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين. اللهم سدد
سهامهم وآراءهم، واجمع كلمتهم وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم إن اليهود المحتلين
قد طغوا وبغوا وآذوا وأفسدوا وقتلوا وشردوا وهدموا وخربوا اليهود، اللهم أرنا فيهم
عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم واجعل
بأسهم بينهم، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم إنا ندرأ
بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا
والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين
يا رب العالمين.
ربنا
ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد
الله،
إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[النحل:90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله
أكبر، والله يعلم ما تصنعون.[/center]