طرابلس وقود الحرب ـ المؤامرة على سورية والمنطقة ..العميد د. أمين حطيط
في زيارته الأخيرة الى لبنان بصحبة ليبرمان كان فليتمان – المنسق للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط – كان صريحا امام من التقاهم في إعلامهم بأمور ثلاثة :
- الاول ان اميركا غير قادرة في الاشهر المقبلة على إسقاط الرئيس الاسد،
- والثاني ان اميركا لا تحتمل في هذه الاثناء الاعتراف بالعجز او الهزيمة امام الرئيس الأسد.
- والثالث حاجة اميركا الى الساحة اللبنانية من اجل كسب الوقت وابعاد الكأس المرة التي سكبت لها في دمشق.
وكان فليتمان يقول هذا لاتباعه اللبنانيين «نريد تضحياتكم من اجلنا اليوم ونحن نكافئكم غدا عندما نتمكن «او كما تردد قوله الضمني» أحرقوا أنفسكم من أجلنا» هذا في المطالب ولكن كيف في الترجمة؟. هنا نعود فنتذكر معا ان اميركا اعتمدت استراتيجية الانتقام والتدمير في سورية، والتي لا يكون وسيلة لأعمالها الا العنف والقتل.
ورغم ان اميركا تدعي بأنها «تخشى ارهاب «القاعدة» وتحاربه» وانها تخشى على استقرار لبنان وأمنه من تغلغل القاعدة فيه، فإننا لا نشك لحظة واحدة بان «القاعدة» التي اختلقتها اميركا منذ عقود، ما كانت الا من اجل خدمة المصالح الاميركية عبر انتاج البيئة التي تناسب السياسة الاميركية، وتبرر لاميركا حركتها هنا او هناك. وان «القاعدة» هذه ادت حتى الآن خدمة جلّى على الصعيد المباشر وغير المباشر خدمة لاميركا وعلى وجهين مادي ومعنوي. خدمة شملت الاساءة الى الإسلام وتصويره دين قتل وارهاب وتخلف وتحجر وإنكار الآخر، كما شملت نشر القتل والتدمير باستهدافها البشر والحجر في البلدان التي ارادت اميركا تطويعها وتركيبها اوتدميرها وتقسيمها. وهذا ما يفسر وصول «القاعدة» الى سورية بالزخم الذي باتت عليه ثم اتخاذها من لبنان قاعدة نصرة وامداد او كما يبدو تحويله الى قاعدة جهاد بمنطق القاعدة وليس جهادا بمنطق الاسلام الصحيح.
إن اميركا هذه التي توحي بأنها تقف ضد «القاعدة» في سورية، وتصرح انها ضد تسليح المعارضة، هي نفسها التي ثبت بالدليل الحسي والتحليل اليقيني هي نفسها التي تدفع سورية الى التآكل الذاتي، تطبيقاً لـ «استراتيجية الانتقام والتدمير» الاستراتيجية تقوم على مبدأين: مبدأ منع الحسم سلما او حربا ومبدأ النار الدائمة والفوضى المستمرة.
اعتمدت ذلك لأن الحسم السلمي لن يكون في مصلحتها، بعد ان تأكدت من ان غالبية الشعب السوري ترفض مؤامرتها وتلتف حول رئيس الدولة في حركته الاصلاحية، وان الحسم العسكري غير ممكن من قبلها، وهو ان قيّض له ان يكتمل فسيكون حسم الدولة للموقف الامني والعسكري لصالحها ضد المؤامرة الخارجية عليها. لهذا كانت خشية اميركا من الحسم في سورية وتكريس هزيمتها نهائيا فيها، وتوجهها اليوم الى اطالة المواجهة في الميدان السوري الى الحد الاقصى الممكن ( تسرب انها خططت لسنتين حتى ربيع 2014 ).
وانطلاقا من هذه الاستراتيجية الخبيثة، كانت اميركا مضطرة، او أنها وجدت نفسها بحاجة الى امور ثلاثة من اجل امداد حال الفوضى وعدم الاستقرار بالوقود اللازم لها حتى لا تنطفئ نار مؤامرتها وعدوانها على المنطقة، انها بحاجة الى :
1) المال والإعلام التحريضي «لتعهد شحن النفوس والحض على القتال» وهنا لا تجد اميركا كبير عناء في توفير هذا الامر، فمشايخ الخليج وأمراؤه وملوكه جاهزون للدفع بما ملكوا من اموال النفط ولا يقصّرون في التحريض بما لديهم من امبراطوريات إعلامية وهنا يبدو الدور الرئيس لكل من قطر والسعودية.
2) السلاح والمسلحون، وهنا لا يوجد مشكلة ايضا فسوق السلاح الدولي معظمه في قبضتها، اما المقاتلون فإن تجنيدهم سهل جداً بوجود المنظمات التكفيرية والسلفية والطامحين بنهم الى السلطة من الحركات والتنظيمات التي تمتلك نزعات ثأرية ضد الحكم في سورية او مسار الدولة في لبنان.
3) منطقة تحشد واستقبال السلاح والمسلحين، وهنا نجد ان الدراسات وتقديرات الموقف في الميدان السوري توصلت الى القول بأن الحل المثالي لتحقيق الغرض الاميركي يكون بإشعال المنطقة الوسطى في سورية، نظرا لاهميتها الاستراتيجية وانسحاب تلك الاهمية على كامل الواقع السوري، ثم لسهولة تحريكها والهابها نظرا لطابعها الديمغرافي والتنوع الكبير فيها. من هنا كان اختيار قاعدة بابا عمرو في حمص لتكون القاعدة المركزية لقيادة الارهاب المسلح، ولكن بعد سقوط هذه القاعدة بعمل عسكري سوري محترف، وانسداد الأفق امام إمكانية تصنيع قاعدة بديلة، ومنطقة امداد خارجي لا تكون في متناول الجيش السوري، وجدت اميركا في الشمال اللبناني ضالتها المنشودة. وساعدها في ذلك وجود الجماعات السلفية والتكفيرية، فضلا عن حجم نفوذ تيار المستقبل المرتهن كلياً للسياسة الاميركية والسعودية.
اختارت اميركا الشمال ليكون لها المنفذ الاستراتيجي لإنفاذ الخطة، وبعد الاختيار هذا واجهت اميركا عقبة لبنانية رسمية تحول دون ارادتها في تحويل الشمال اللبناني الى القاعدة العسكرية التي تريد والتي تؤمّن للمسلحين الذين يقاتلون ضد سورية ميناء لاستيراد السلاح، وميادين للتدريب والتجهيز، ومراكز قيادة آمنة، لأن الدولة التي اضطرت الى رفع شعار النأي بالنفس عن الازمة السورية، والتي تساهلت عبر بعض اجهزتها في الممارسة خلافا لهذا المبدأ، لم تستطع ان تمنع الجيش ذا العقيدة الوطنية من لعب دوره في حماية السيادة والامن والالتزامات اللبنانية بمقتضى القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية مع سورية.
ولان الامر كذلك في الشمال كان التخطيط لفوضى تحد من فاعلية الدولة فيه، وتدجّن الامن وتغلّ يد الجيش وتحوّل مرفأ طرابلس الى لعب الدور الذي لعبه الحوض الخامس في بيروت في تسليح «القوات الكتائبية المسماة لبنانية « اثناء حرب السنتين في لبنان، ثم تحويل سهول عكار وجروده الى ميادين وقواعد عسكرية تذّكر بالعرقوب في ظل اتفاقية القاهرة مع الفلسطينيين.
ولتحقيق هذه الاهداف كانت احداث طرابلس التي صدق البسطاء حسنو النية بأنها اندلعت بسبب توقيف مشتبه به اوصت اميركا باعتقاله (ومن يستطيع ان ينفي التصور بان اميركا خططت للتوقيف ومن حق الأمن العام وواجبه طبعا ان يوقف مشبوها توافرت ادلة على ارتكاباته )، ولكنها شجعت على العصيان المسلح اودفعت الناس اليه سلوك اعتادته بلعب الدور ونقيضه كما دفعت يوما صدام حسين الى غزوالكويت، ثم شكلت تحالفا دولياً ًلمواجهته .
في ظل هذا المشهد، ترانا نخشى على طرابلس، ونخشى على امنها وامن اهلها الطيبين الذين يتحولون عبر الاستراتيجية الاميركية وبكل بساطة هم وأموالهم وكل ما يتعلق بهم الى وقود لحرب – مؤامرة عدوانية ضد سورية خدمة للمصالح الغربية، اما من يتصّور من بعض قصيري النظر بأن النار التي يضرمها في دار جاره لن تمتد بلهيبها الى داره فانه مشتبه ان لم نقل اكثر.
إن المشهد الطرابلسي المضطرب راهناً يمكن ان تطول المعاناة فيه لان المخطط قرنه بالعدوان على سورية ولا ينقذ طرابلس الا أمران : وعي اهلها مع حكمة قياداتها، وحزم الدولة وشجاعة قواتها المسلحة وبالتحديد جيشها الوطني الذي يسطر في كل امتحان نصرا جديداً للبنان.
البناء