عندما اطلقت مهمة انان في سوريا كان انقسام دولي بين من راهن عليها لتثبيت انتصاره و بين من رأى فيها هدنة تمكنه من حفظ ماء الوجه و كسب الوقت لاستيعاب النتائج و معالجتها ، و فئة رات فيها كارثة على امالها و احلامها باستلام سريع للسلطة و الحاق سوريا بفضائها الحيوي .
اما سوريا فقد تعاملت مع مهمة انان على اساس انها فرصة تختصر المعاناة و تؤدي الى استعادة البلاد امنها و تخرجها من ازمة دُفعت اليها الى الحد الذي جعل الارض السورية ميداناً لحرب كونية.
و الان و قد وصلت مهمة انان الى منعطف حساس بعد ان حققت ايجابيات لم يكن يريدها الفريق المعتدي على سوريا من قبيل الاقرار الدولي الضمني بمرجعية الدولة السورية و اجهزتها ، و الاقرار الدولي بوجود جماعات مسلحة في سوريا و ان ليس فيها ثورة بمقدار ما فيها عنف مسلح ، و هذا ما فضح الاعلام المعادي لسوريا ، و احرج الفريق الافليمي الداعي لتسليح المعارضة خلافا لمهمة انان السلمية ، كما ان المهمة اعادت رسم التوزانات الاقليمية و الدولية في الخريطة السياسية المعنية بالازمة االسورية عبر التأكيد على الدور المؤثر لكا من ايران و روسيا و الصين .
أ. رغم هذه الايجابيات فان مهمة انان اثارت قلقا و مخاوف لا يمكن تجاوزها حيث انها :
1) اكدت تدويل الازمة و مكنت مجلس الامن الذي اغلق بابه بالفيتو المزودوج الصيني – الروسي و لمرتين متتالتين و منع من استعادة الحالة الليبية في سوريا ، مكنت هذا المجلس من التسلسل عبر البياتات االرئاسية (غير ملزمة و لا تتعدى التمنيات ) التي باتت تصدر بشكل شبه اسبوعي ، و يجتهد الرئيس خاصة الاميركي حالياً بان يعمم البيان بظروف اعلامية تقود البعض للتعامل معه و كانه قرار . و مع هذا الوضع عادت قوى دولية لتتحدث عن مهل و شبه انذارات توجه الى سوريا باسم مجلس الامن وهو ما انعش امال “المعارضة السورية” بتدخل اجنبي تريده ، كما سيجعل البسطاء من المعنيين بالشأن السوري يتوهمون بان احتمال التدخل الدولي تزداد حظوظه .
2) منحت الفرصة لتركيا و من خلال مخيمات اللاجئين السوريين اليها ان تعود بعد خمود طويل الى الاطلالة على الملف السوري و الظهور بمظهر الفاعل و القادر على التأثير ، كما اعطتها الفرصة لرفع الصوت و العودة الى لهجة التهديد . و رغم ان العارف ببواطن الامور يدرك ان تهديدات تركيا بالعمل العسكري ضد سوريا منفردة او ضمن عمل دولي مشترك هي تهديدات فارغة لا طائل منها لاسباب موضوعية و ذاتية تتعلق بالواقع التركي و محيطه .
3) منحت لفرنسا و اميركا هدنة تحتاجانها خلال هذه الفترة من المعركة الانتخابية ، لاخفاء الاخفاق و الظهور بمظهر المستمر في السيطرة على الوضع الدولي . هي هدنة يعولان عليها للمراجعة و اعادة الانطلاق في اسلوب مواجهة جديد بعد الفراغ من الانتخابات .
ب. ظواهر تبدو و الى حد ما مثيرة للخشية من احتمال وجود خديعة ما يجري اعداها و يكون انان المخرج لها خاصة و اننا نسجل نوع من توزع الادوار في المعسكر المعتدي على سوريا نلحظ فيه مواقف ثلاثة متابعدة ظاهريا و قد تكون منسقة ضمنياً ففيها :
1) التزام سعودي قطري بتسليح المعارضة السورية و دعمها مع الاستمرار بالدور الاجرامي الذي يقوم به اعلام هاتين الدولتين خاصة فضائيتي الجزيرة و العربية ، و تلفيق الاكاذيب للتحريض على القتل و الفوضى في سوريا ، و رغم كل الاتصالات و المساعي لم يتبدل موقف هاتين الدولتين بشكل يوحي بالثقة بانهما عادتا الى جادة الحق و الصواب في التعامل مع الازمة السورية .
2) تطوير في الموقف التركي الى حد دعوة حلف الناتو للقيام بمسؤولياته في الدفاع عن الحدود التركية مع سورية ، و طبعا فاننا نسخر من التبرير التركي للدعوة و نهزأ من الاسباب التي ارتكزت اليها تركيا للتوجيها ( عدة رشقات نارية سوريا اطلقت في ملاحقة ارهابيين تسللوا من تركيا الى سوريا ) فان في هذا السلوك دلالات لا يمكن تجاهلها .
3) الدعم الاميركي و الاروبي لمهمة انان مع رفض تسليح المعارضة و التناغم مع موقف انان الداعي الى تجنب عسكرة الازمة السورية لان في ذلك كارثة على المنطقة على حد قوله .
ج. لكل هذه الاسباب يكون عل المتابع ان يحذر من الخديعة تلك و التي قد تكون عبر :
1) الارتقاء في دور مجلس الامن و تدخله في الازمة السورية وصولاً الى ادخال سوريا تحت الفصل السابع كما طالب الامين العام للجامعة العربية في مؤتمر استنبول ، او اقحام الاطلسي في القضية . و رغم ان الواقع الدولي القائم ينسف هذه الفرضية بشقيها كليا و لا نرى حالياً امكانية واقعية للسير بها ، فان ابقاءها في الذهن على سبيل الاحتياط يكون واجباً .
2) احراج الدولة السورية في عملياتها الامنية الميدانية تحت ذريعة وقف اطلاق النار ، و الضغط عليها للالتزام به في الوقت الذي لا يجد المسلحون من يضغط عليهم او يطيعوه اصلاً و هنا يخشى ان تتكرر مشهدية ما تلا مهمة المراقبين العرب .
3) وقف العملية السياسية الاصلاحية التي انطلقت عبر اصدار القوانين و صولا الى الدستور مع التحضير للانتخابات النيابية ، بذريعة وجوب انتظار الحوار الوطني ، و هو حوار لا يبدو انه سيتم في صيغة انان مع امكانية اجرائه في صيغة سورية داخلية لكنها مرفوضة من الخارج .
د. و رغم هذه المحاذير و المخاوف فقد استمرت سوريا الطامحة الى حل سلمي للازمة في التعامل ايجابيا مع مبادرة انان و قدمت على حد قول وزير الخارجية الروسية اقصى ما يمكن القيام به لانجاح المهمة وصولا الى اعلانها وقف العمليات القتالية على كامل الاراضي السورية بدءا من صباح 1242012 ، و هو قرار نرى فيه شجاعة و بعد نظر لانه اكد القدرة السورية على القرار و سد الذرائع و سحب البساط من تحت اقدام المتآمرين خاصة و انه :
1) يؤكد الحرص السوري على وقف العنف المسلح ، فسوريا تريد امنا و سلاما و لا تريد عنفا و قتالاً .
2) انه لم يكن نتيجة اتفاق او توقيع او التزام بخطوط تماس مع المجموعات المسلحة , بل انه قرار سيادي اتخذ بعد ان لمست القيادة العسكرية امكانية اعتماده نتيجة نجاحها في معالجة الحالات الارهابية و الاجرامية .
3) انه يؤكد على استمرار القوى المسلحة السورية على الجهوزية التامة لمعاجة اي اعتداء على المواطنين و على مؤسسات الدولة ، ما يؤكد على جوهر مفهوم مهمة انان لجهة مرجعية الدولة حصريا في حفظ الامن و النظام على اراضيها .
4) وجه رسالة قوية لمن تمنيهم انفسهم خداع سوريا ، حيث ان القوى العسكرية السورية لن تخلي الميدان كما يشتهون بل انها ستبقى جاهزة لمعالجة اي طارئ فهو سد الذرائع التي يتمسكون بها ، و لكنه لم يفتح البلاد على المجهول .
هـ. و الان ما هي احتمالات المستقبل ؟
على ضوء المعطيات المتوفرة ، فاننا نرى فشلاً يرتقب الخديعة الغربية بعد ان ابدت سوريا و محورها يقظة و حذاقة في ادارة الملف فضلاً عن انها لم تنظر الى مهمة انان على انها الطريق الوحيد للخروج من الازمة و ترمي اوراقها الاخرى لهذا نرى ان المستقبل سيكون محكوما باحد امرين و كلاهما سيعتبران نصرا لسوريا :
1) الاحتمال الاول : نجاح انان في مهمته ( رغم كل العوائق التي تعترضها ) و التزام الجماعات المسلحة بمقتضيات هذه المهمة السلمية عبر التوقف عن اطلاق النار ، ثم تسليم اسلحتها للدولة ، و الدخول في حوار داخلي مع ما يحفظ لسوريا سيادتها و قرارها المستقل بعيدا عن الاملاء الاجنبي .
2) الاحتمال الثاني : فشل مهمة انان ، و عدم توقف الجماعات المسلحة عن اطلاق النار و الاعتداء وهنا يكون لسوريا ان تواصل عملياتها العسكرية دون ان يكون لاحد ان يلومها ، و مع العمل العسكري تتواصل العملية الاصلاحية التي بدأت ،و عندها لا يبقى للمعتدين الا التخبط في عملياتهم الارهابية البائسة ، التي قد تمكنهم من الاستمرار في عمليات القتل بضعة اسابيع او اشهر ، لكنها تبقى من غير اثر على مسار الازمة و نهايتها التي باتت في صورة محسومة تؤكد فشل العدوان على سوريا .
البناء