مهمة انان والحرب بأشكال أخرى…..غالب قنديل
تشير الوقائع السياسية و الإعلامية إلى أن التحالف الاستعماري الغربي وأدواته يواصل تصعيد الضغط على سوريا بشكل مستمر وهناك جهات دولية و إقليمية حاولت و تحاول التأثير على مهمة انان و مسارها الميداني و السياسي وفقا لمجموعة مؤشرات أبرزها رفض الدول الغربية تقديم التزامات واضحة بوقف تمويل المعارضة وتسليحها أو إلزام الحكومات التركية و الخليجية المتورطة في الحرب على سوريا بخطوات من هذا القبيل .
و على الرغم من التزام الدولة الوطنية السورية بآليات التطبيق العملي للمبادرة التي طرحها الموفد الأممي، و بدلا من الترحيب والتجاوب انطلقت حملة تشكيك عالمية و إقليمية ذات طابع تحريضي ، قادتها الإدارة الأميركية مما يشير للتصميم على مواصلة الحرب الفاشلة بوسائل و أشكال جديدة تتكيف مع التطورات التي جاءت نتيجة مباشرة للتحول في ميزان القوى .
أولا مهمة احتواء الفشل
جاء بيان مجلس الأمن وتكليف كوفي أنان كموفد أممي إلى سوريا نتيجة وصول محاولات التدخل العسكري الأجنبي إلى طريق مسدود و بفعل التطورات التي تراكمت داخل سوريا و من حولها على الصعيدين الإقليمي و الدولي مما جعل حسابات الغزو تتراجع تحت ضغط القوة الرادعة لسوريا و لشركائها الاستراتيجيين في المنطقة و العالم .
فالمبدأ الذي بات موضع تسليم دولي هو ان لا بديل عن الحل السياسي في سوريا عن طريق الحوار بين الدولة الوطنية التي يرأسها الرئيس بشار الأسد و قوى المعارضة و الاحتكام لصناديق الاقتراع في إعادة تكوين السلطة و تداولها و هذا هو المقصود بالحل السياسي في مبادرة انان و هو الحل الذي أقام الأسد أسسه الدستورية و القانونية طيلة العام الماضي في مناخ غنكار و انفصام ميز مواقف المعارضات المرتبطة بالخارج و المراهنة على التدخل الأجنبي و لاقى تجاوبا لدى الشرائح الشعبية و المعارضة الوطنية.
و هكذا فالبيان و المبادرة هما بمثابة اعتراف أميركي بسقوط الرهان على تغيير النظام و بالتخلي عن مطالبة الرئيس بشار الأسد بالتنحي الشعاران اللذان استهلكا لسنة كاملة في الحرب العالمية على سوريا ، التي أثبتت صلابة و تماسك بنى دولتها و رسوخ ولاء جيشها الوطني بينما بات من المسلم به ان شعبية الرئيس الأسد تضاعفت في مواجهة شلل معارضة متناحرة و رثة التكوين ترتمي في احضان المخابرات الأجنبية و الإقليمية المتورطة في الحرب بينما هي تقود على الأرض السورية عصابات إرهابية و تكفيرية ارتكبت جرائم يندى لها الجبين تحدث عن بعضها سفيرا الولايات المتحدة و فرنسا في دمشق .
التوازن الدولي الجديد الذي بلورته الأزمة السورية شكل البيئة المنتجة لمهمة انان و اضطرت الولايات المتحدة و حلفاؤها للرضوخ امام الوقائع القاهرة و راهنت على احتواء الفشل الكبير الذي منيت به مخططاتها في سوريا بواسطة مهمة الموفد الأممي التي باتت بتفاصيلها و حلقاتها المختلفة ميدانا لمواصلة الحرب بأشكال اخرى .
ثانيا الخدعة التي سقطت
بعد تقديم انان مشروع خطته قدمت سوريا رؤيتها و فرضت قبول ما ادخلته من تعديلات عليها و طالبت سوريا بالتزامات واضحة من تركيا و قطر و السعودية بوقف توريد المال و السلاح للجماعات المسلحة داخل سوريا و رفضت الحكومات المعنية تقديم أي التزام من هذا النوع كما رفضت واشنطن ضمان أي تعهد .
الخطة الأميركية البديلة وضعت بالتفاهم مع تركيا و السعودية و قطر ، و نصبت فخا لسوريا في الجزء الأول من مهمة انان و هو يحول الاتفاق على وقف النار إلى خدعة مبرمة تشابه ما حصل خلال مباشرة المراقبين العرب لمهمتهم و هو ما اظهرته آلية وقف العمليات القتالية التي اقترحها كوفي انان من خلال طلب وقف الجيش السوري لإطلاق النار قبل يومين من الجماعات المسلحة عندما اعتبر الثلاثاء 10 نيسان موعد توقف القوات الحكومية عن إطلاق النار و الخميس 12 نيسان موعد التزام مسلحي المعارضة و مهلة اليومين كان المقصود فيها تكرار ما حصل مع المراقبين العرب و إفساح المجال امام عودة المسلحين إلى المناطق التي اخرجتهم منها الدولة .
تمكنت الدولة السورية بالتفاهم مع روسيا من فرض شروطها في صيغة وقف النار التي أصدرتها وزارة الدفاع و أعلنها انان من طهران و بوشر بتطبيقها صباح الخميس أي أن قوات الجيش ظلت على اهبة الاستعداد و احتفظت بحق التدخل للرد على أي عمليات تمس الأمن وبذلك لم يسمح للجماعات المسلحة بتوسيع انتشارها من جديد و حافظ الجيش على إنجازاته الميدانية و بات واضحا أيضا ان الخطوة التي يعول عليها حلف الحرب هي محاولة تحريك تظاهرات استفزازية لمحازبي الأخوان و التكفيريين و تشكيلات معارضة اخرى قبل أن يستتب وقف القتال على امل استدراج العنف مجددا و تحميل السلطات السورية المسؤولية من خلال وضعها امام حالة جديدة تحمل تهديدا امنيا و سياسيا و على الرغم من ان حقيقة الاختبار تؤكد هزال المعارضات المشتتة و عجزها عن استقطاب قوى شعبية وازنة بعد التحولات الأخيرة في سوريا .
حصلت الدولة السورية أيضا على خضوع دولي لتمسكها بالشرط السيادي السوري المتعلق بتكوين فرق المراقبين التي سوف يوقع بشأنها بروتوكول خاص مع فريق انان بينما بات محسوما أن المشاركة الروسية في فريق المراقبين ستكون كبيرة و هي توفر ضمانة مؤكدة للدولة السورية
ثالثا مأزق مجلس اسطنبول
بعد اكتمال تنفيذ المرحلة الأولى من وقف العمليات القتالية ستكون المرحلة الثانية مطالبة مسلحي المعارضة بإلقاء السلاح و تسليمه للدولة تمهيدا للحوار السياسي و هنا يواجه مجلس اسطنبول و معه واجهات اخرى لمعارضة الخارج التحدي الأكبر و يقف بين اختيارين احلاهما مر لأن دخول الحوار يعني التراجع عن رفض الحوار مع الدولة و سحب شعار إسقاط النظام و لحس الخطب السابقة الكثيرة عن حصر النقاش مع أي مسؤول سوري بآلية نقل السلطة للمعارضات و العزوف عن المشاركة في الحوار يعني الخروج من معادلة سوريا السياسية و ترك المجال مفتوحا بالمقابل امام صيغ الشراكة اليت باشرت الدولة نسجها مع قوى المعارضة الوطنية و التي ما يزال جانب كبير من نتائجها في الظل و تخشى المعارضات و خصوصا تنظيم الإخوان المسلمين بعد كل ما تراكم من معطيات من خوض اختبار الانتخابات الذي سيفضح الهزال الحقيقي في اوزان و قوة المعارضين.
يضاعف من هذا المازق ان أي حوار سياسي لن يقود لتعديل جوهري في مضمون ما أنجزته الدولة السورية من عدة الانتقال إلى جمهورية برلمانية تعددية دستوريا و تشريعيا و كل ما يثار من ملاحظات يقع في خانة التفاصيل التي لم الدولة أبواب التعامل معها بجدية لتسهيل طرق الحوار و الشراكة الوطنية .
في الخلاصة تستمر الحرب على سوريا بأشكال اخرى و سوف يتواصل السعي لتخريب مهمة انان و التأثير على مسارها رغم النجاح الأولي الذي تحقق و سوف يليه نشر المراقبين و ستكون المرحلة القادمة دقيقة و حافلة بالضغوط السياسية التي تبطن سعيا من حلف الحرب الاستعماري و بواسطة تركيا و السعودية و قطر إلى عرقلة نهوض القوة السورية من الزمة لإن ذلك سيكون نذيرا بانقلاب المعادلة الإقليمية و بفتح الحسابات القاسية و المؤجلة التي ستجريها سوريا ضد حلف العدوان و التخريب