خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس

بسم
الله الرحمن الرحيم

خطبة
الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة

[center]لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن
السديس

والتي تحدث فيها فضيلته عن: ظاهرة
الإرهاب

إن
الحمد لله نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني
عليك الخير كله، ونشهد أن لا إله إلاّ أنت، أنت الملك لا شريك لك، والأحد لا ند لك،
كل شيء هالك إلاّ وجهك، سبحانك ربنا ما أعظمك، سبحانك إلهنا ما أكرمك سبحانك
مولانا ما أحلمك، سبحانك أنت أحق من ذُكر، وأحق من عُبد، وأنصر من أُبتغي، وأرأف
من ملك وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، لن تطاع إلاّ بإذنك، ولن تُعصى إلاّ بعلمك، تُطاع
فتشكر، وتُعصى فتغفر، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام
ما حرمت، والدين ما شرعت والخلق خلقك والعبد عبدك والأمر أمرك، أقرب شهيد وأدنى
حفيظ، حُلت دون النفوس وأخذت بالنواصي وكتبت الآثار ونسخت الآجال وأنت الله الكبير
المتعال، ونشهد أن نبينا محمد عبدك ورسولك ومصطفاك وخليلك كريم السجايا عظيم
الشمائل شريف الخصال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآل، والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم المآل، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما
بعد:

فيا
عباد الله أحمدُ إليكمُ اللهَ الذي لا إله إلاّ هو وأشكره على جزيل النعماء وسوابغ
الآلاء، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي النبراس الوضاء والسلاح المضّاء وهي
الحصن الحصين في السراء والضراء والذخيرة النافعة في الشدة والرخاء، هي العدة في
الأزمات وطوق النجاة في الملمات.

أيها
المسلمون: سجل التأريخ الحافل شاهد صدق لا يغيب ومرآة الزمان الصافية رقيب عدل لا
يخيب، وسنن الله في كونه وخلقه نواميس حق لا تتغير ولا تعيب، والمستقرأ لمكتسبات
الأمم الحضارية وأمجاد الشعوب التأريخية يجد أن مردها يكمن في الحفاظ على المقومات
المعنوية والمبادئ والقيم الأخلاقية، ويخطئ من يحيل ذلك إلى أسباب مادية أو تقانات
دنيوية، ونحن أمة الإسلام نستيقن يقين لا يعتريه شك ولا مراء أن قيمة الحياة
الحقيقية تكمن في عقيدة تضبط النفوس، وإيمان في شغاف القلوب مغروس، وعمل صالح
يٌعلي الذكر ويرفع الرؤوس، وأن عقيدتنا الإسلامية هي مصدر عزتنا ورمز قوتنا وأساس
حضارتنا ذلك لأنها تنزيل من حكيم حميد
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

أَلا
يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[الملك:14].

والإنسانية
بلا معتقد صحيح، والبشرية بدون شرع قويم، تتحول إلى أسراب من السباع الضارية والوحوش
الكاسرة يتسلط قويها على ضعيفها في حياة ملئها الاضطراب والفوضى، وهكذا كانت حياة
الناس في الجاهلية، وهكذا يصبحون عند غياب المبادئ السامية والقيم الرفيعة والمثل
العليا وتغلب سلطان الهوى على نور الهدى وتفشي مسالك الغدر والبغي والطغيان والظلم
والتسلط والعدوان في كل زمان ومكان، إن الدين الحق يا عباد الله يكبح جماح الشهوات
ويُهذِّب الغرائز والنزوات، ويسلك بإتباعه طريق الخير والبر والمكرمات، ويدل على
الهداية والفضيلة وينأى بأهله عن سُبل الغواية والضلالة والرذيلة، إنه دين يفيض
رحمةً وعدلاً وأمانًا وينضح خيرًا وسلامًا وحنانًا، من مقاصده العظمى حفظ الدين والأنفس
والأموال والأعراض والعقول ، يقول الإمام العز بن عبد
السلام ـ رحمه الله ـ: "إن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لإقامة مصالح الدنيا
والآخرة ودفع مفاسدهما"، ويقول الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ: "المعتمد
إنما هو أنا استقرأنا من الشريعة أنها وُضعت لمصالح العباد استقراءً لا ينازع فيه
أحد"، ويقول الإمام العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "إن الله سبحانه
أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ومنّ عليهم بهذه الشريعة التي مبناها على
الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها فكل
مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن
الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة".

معاشر
المسلمين: إن الإسلام هو الدين الخالد على مر القرون كتب الله بقاءه وضمن حفظه وجعله
صالحًا لكل الأعصار والأمصار إنه دين الحق والعدل والسلام ودين المحبة والسماحة والوئام،
لا خير للبشرية إلاّ في ظل تعاليمه ولا عز للإنسانية إلاّ بتطبيقه وتحكيمه، إنه
دين المحاسن والمكارم والفضائل يبني كيان الأمة ولا يهدم ويجمع أبناءها ولا يفرّق
يسعى إلى التشييد والإعمار لا إلى الخراب والفساد والدمار جاء بقطع دابر الجريمة
واجتثاث أصول الشر والفساد واستئصال شأفة العنف والإرهاب، من قواعده الكبرى جلب
المصالح ودرء المفاسد وإزالة الضرر ورفع الحرج وسد الذرائع. رسالته عالمية ومنهجه الاعتدال
والوسطية وأهدافه إقامة الحق والعدل وإرساء دعائم الأمن والسلام وتزكية النفوس وتهذيب
الضمائر وتربية أجيال تسعى إلى الصلاح والإصلاح لإسعاد الأفراد والمجتمعات إعمارًا
وبناءً نفعًا وإنماءً، كما كفل هذا الدين حقوق الإنسان بجدارة فكرّمه ورفع مكانته
وأعلى قدره، وفضّله حين هبطت بمستواه الماديات، وزكّى نفسه حينما أسّفت به
الشعارات واستخفت به إلى حضيض البهيميات، ووازن بين متطلبات روحه وجسده في تماسك
بديع وتكامل فريد، كما رعى علاقة الفرد بمجتمعه وعلاقته مع الآخرين، وأقام جسور
التواصل بين الحضارات حوارًا بنّاء ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة
بالحسنى ولم يقف الإسلام عاجزًا يومًا ما أمام التطورات والمتغيرات بل واكبها مع
التمسك بالأصول والثوابت والكليات مما ضمن الحلول الناجعة لكل القضايا والمشكلات وتحقيق
السعادة المرجوة للأفراد والمجتمعات.

أمّة
الإسلام: تؤكد هذه المقاصد العظمى والقواعد الكبرى في الوقت الذي يتابع فيه
المراقبون بقلق بالغ تداعيات الأحداث الدولية ومجريات المستجدات العالمية، وفي
الوقت الذي يضج فيه العالم من ظاهرة عالمية خطيرة ظاهرة تقض المضاجع وتدع الديار بلاقع لما تحمله من كوارث وفواجع ولما يكتنفها من أهوال وفضائع
مهما كانت البواعث والدوافع إنها مأساة العصر وكفى إنها ما يسمى في عالم اليوم
بظاهرة الإرهاب، لقد تخطت هذه الظاهرة حدود الزمان والمكان والهوية ولم تعد محدودة
أو ضيقة أو فردية بل تجاوزت ذلك إلى التنضيل الإجرامي المسلح والعدوان الجماعي
الصارخ وروّعت ألغامه الموقوتة وقنابله المخبوأة الدنيا
برمتها وتجردت خلاياه الممقوتة وشبكاته المأفونة من أقل
معني الإنسانية والقيم الدينية والمثل الأخلاقية والسلوكية وخالفت جميع الشرائع
السماوية والأعراف والمواثيق الدولية، وكارثة الكوارث حينما يثبت كون أربابه
المرتدين لباس الدين أو متزيين زيّ
المسلمين. والإسلام الحق يا عباد الله بريء من ذلك كله فنصوصه الشرعية وآدابه ومقاصده
المرئية جاءت بتحريم قتل الأنفس المعصومة وإزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات والاعتداء
على الأموال والحقوق والسعي في الأرض بالفساد، قال تعالى:
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

وَإِذَا
تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[البقرة:205]
وقد حرّم الإسلام الظلم والتظالم وأمر بالقسط والعدل حتى مع العدو، قال تعالى:
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[المائدة:8] ، ونهى عن سلوك مسالك العنف والفظاعة، قال تعالى:
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[آل عمران:
159].

وفي
الصحيح عند مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) وفيه أيضًا: ((ما كان الرفق في شيء إلاّ زانه ولا نُزع من شيء إلاّ شانه، وما
كان العنف في شيء إلاّ شانه ولا نُزع من شيء إلا زانه)).

إخوة
الإيمان: ولقد ُبليت البشرية في أعقاب الزمن بكثرة أعمال العنف والتخريب وحوادث
الشغب والإرهاب، والأوضاع الراهنة تترجم ذلك بجلاء مما هز العالم وأصابه بكارثة
إنسانية ومصاب جلل وخطب جسيم، فكم رأى المتابع وسمع من صور الترويع والإرهاب وأخبار
الدمار والاضطراب، تخريب وتفجيرات قتل واغتيالات اختطاف لمركبات وطائرات نسف لعامر
البنايات وتدمير لعام الممتلكات، فكم أزهقت من نفوس وألحقت من أضرار ودمرت من عمار
وشلّت من اقتصاد وأحدث من قتلى وجرحى ومفقودين وأسفرت عن ثكالى ويتامى ومصابين، يعمد
إلى ذلك أقوامًا ذو نفوس مريضة وضمائر دنيئة وذمم ضعيفة ممن تأصل الإجرام في
نفوسهم حتى طفح شرهم وتطاير شررهم فبعثوها عظيمة تقضي على الأخضر واليابس، فرحماك
ربنا رحماك وعفوك يا مولانا وعافيتك يالله واللهم سلّم سلّم فالله خيرًا حافظًا وهو أرحم الراحمين.

فماذا
يريد هؤلاء؟ وما أهداف أولئك؟ ومن يقف ورائهم؟ ولمصلحة من يتحركون؟ وأين عقلاء الخليقة وشرفاء العالم
عن تطاير شررهم؟ فإن لم يتداركوها يكون ضرامها جثث وهاموا حينها ليس لها من دون
الله كاشفة، أي دين وعقل وعرف يقرّ هذه الأعمال الشنيعة بل أين المروءة والرحمة والإنسانية
عند هؤلاء، أي قلب هذا الذي يستهين بالأنفس والممتلكات وأي عقل هذا الذي يقدم على
الإضرار بالآمنين وإزهاق أنفس المعصومين بل أي نفس تلك التي تلذ لسفك الدماء وتطاير
الأشلاء، قال تعالى:
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

إِنَّ
اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[يونس: من
الآية81]
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

وَاللَّهُ
يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[البقرة:
من الآية220]
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

وَلا
تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[الأعراف:
من الآية56]
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ
مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا
قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[المائدة:
من الآية32].

إخوة
الإيمان: يأبى الله ورسوله ثم يأبى أهل الإيمان الحق أن تكون هذه المسالك المرذولة
فيفي ترويع الآمنين وزعزعة الأمن حياة المطمئنين وسلوك مسالك العنف والاعتداءات وأعمال
التخريب والتفجيرات طريقًا إلى جلب الأمن والخير للبشرية والإسعاد والإصلاح
للإنسانية، استمعوا يرعاكم الله للحبيب المصطفى الذي أرسله الله رحمة للعالمين بأبي
هو وأمي صلى الله عليه وسلم يؤصل منهج الإصلاح في الأمة فيقول في حالة الحرب فما
بالكم بحالة السِّلم: ((اغدوا باسم الله في سبيل الله
لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا شيخًا ولا وليدًا ولا امرأة ولا راهبًا
في صومعة)) أين هذه التعاليم والصفوة من المفاهيم من أقوامًا لا تؤمن إلا
بالعنف مسلكًا والتخريب منهجًا وسفك الدماء للتغير والإصلاح زعمًا فريقًا ثم لا
تسأل من أخطارها البالغة ولا أبعادها الدامرة على
مستقبل الإسلام والمسلمين لاسيما الجاليات والأقليات المسلمة في أنحاء العالم، ومعاذ
الله أن نظن بسوء مسلمًا أو نرمي بإثم بريئًا، فيا أمّة محمد صلى الله عليه وسلم
إن لكم في الحوادث لعبرًا وفي الوقائع مزدجرًا ومذكرا، لا بد من اللجوء إلى الله والفزع
إليه فلا يكشف السوء إلاّ هو سبحانه فلا ملجأ إلى الله إلاّ إليه وكل شيء يحصل في
هذا الكون فله فيه الحكمة البالغة والقدرة النافذة وهذا الحدث وغيره لو لم يقدر أزل
لما وقع ولو شاء ربك ما فعلوه.

أيها
الناس: من منبر المسجد الحرام ومنبر الحق والعدل والسلام نخاطب الرأي العالمي والدولي
وننادي صنّاع القرار في العالم تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، لا بد من اتخاذ
الحكمة في الأحداث، والتعقّل في المواقف، وضبط النفوس بأعنة النظر العميق وإيثار
المصلحة العامة، وتجنيب الإنسانية شرور الكوارث، وأخطار الحروب والكوارث، وإحلال
السلام العادل ودعم الأمن الدولي المنشود، وعلى علماء الأمة أن يبينوا الحق في هذه
الأحداث يؤصلوها بالرؤى الشرعية الصائبة، والمنظور الإسلامي المتزن حتى تتجلّى
الصورة المشرقة عن الإسلام وأهله، وأن ما يسمى بالإرهاب مرفوضًا بأبشع صوره وأشكاله،
بعيدًا كل البعد عن جوهر الإسلام ونبل مقاصده ولا يمثل أخلاقيات المسلمين وحسن
سلوكهم، كما أنه ينبغي وقد زلّت في الأحداث أقدام، وقلّت فيه أفهام، أن تُضبط
الألفاظ والمصطلحات حتى لا تختلط المفاهيم بين الجهاد الشرعي بضوابطه وأخلاقياته وبين
الإرهاب الواقعي بأنماطه وصوره، وأن كل علاج لأدواء البشرية وعلل الإنسانية يتم في
غيبة الدين وتهميش أهله لن يحظى إلاّ بالفشل الذريع ولن يجلب للبشرية إلاّ مزيدًا
من الفتن، فلابد من إيضاح الحقائق وتجلية الرؤى حتى لا يحمل الإسلام وأهله جريرة
ما حدث ويُتهم الأبرياء بالإرهاب وهم منه براء قال تعالى:
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

وَلا
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[فاطر: من
الآية18] وليس كل ما ابيض شحمًا ولا كل ما أسود فحمًا، يجب أن لا يُصوّر المسلمين
على أنهم سبب التصادم الحضاري والتخلّف الإنساني، لابد من صياغة الجيل المتعقّل
الواعي الذي يدرك أمن الرأي وبعد النظر قبل ما يظن من الشجاعة وأن العدل فوق
الخصومة وأن الحفاظ على البيئات والمكتسبات حق مكفول لا يجوز الاعتداء عليه بوجه
من الوجوه وقال تعالى:
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

وَقَاتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[البقرة:190]
والدعوة موجهه لوسائل الإعلام لاسيما الغربية وملاك القنوات العالمية إلى التحلي
بالإنصاف والموضوعية والصدق والواقعية، مع عدم إطلاق التهم، وكيل التكهنات، وزجّ
التخرصات، والنأي بالأمة عن كل الأوهام والشائعات والمكاييل المزدوجة، في وقت كادت
المصداقية تنزف والموضوعية تحتضر، بعيدًا عن الضبابية في الطرح، والرمادية في
التحليل، والازدواجية في المواقف، والانسياق وراء العواطف، والتشنّج في الحوار، إنه
لابد من الوعي العميق في أن المشكلات والظواهر السلبية في المجتمعات البشرية لا
يمكن حلها باللجوء إلى العنف ابتداءً ولا جزاء، بل بالتحاور والتفاوض والعودة إلى
الذات، ومراجعة المواقف والحسابات، وإصلاح النظم والسياسات، والعمل على نشر العدل والمساواة
بين الناس، ونبذ الأحقاد والعنصريات، والاعتراف بحق الشعوب المسلمة المضطهدة يأتي
في مقدمتها قضية المسلمين الكبرى في فلسطين المسلمة المجاهدة والقدس الشريف والمسجد
الأقصى المبارك وحق الشعب المسلم في الأرض المباركة في فلسطين في العيش بأمن وسلام
بعيدًا عن الإرهاب الصهيوني الغاشم ضد مقدرات الأمة و مقدساتها، لابد من العمل على
تكثيف الجهود وتنسيق الأعمال لإبراز القيم الإنسانية والحضارية التي يزخر بها
ديننا الإسلامي الحنيف، مع الجد في معالجة صور التناقض والازدواجية التي تعيشها
الأمّة في كثير من مجالاتها السياسية والاقتصادية والإعلامية، والعمل على تجفيف
منابع الشر في الأمة في ضل تداعيات العولمة العارمة التي يوشك أن تأتي على بنيان
ثوابت أمتنا من القــواعد. لقد آن الأوان يا أمّة الإسلام أن توضع الأمور في
نصابها الشرعي، وأن تتخذ الخطوة العملية والمبادرات الفعلية إلى تفعيل دور الفرد
المسلم لينطلق للقيام بمسؤولياته في الأمن والبناء والإعمار وتحقيق المصالح الكبرى
على منهج التوسط والاعتدال تحقيق لمقاصد الإسلام العظمى، والحاجة ملحّة لمشروع
منظمة إسلامية عالمية متخصصة لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة إقليميًا ودوليًا ولوضع
دراسات علمية وآليات عملية للبحث بجدية عن أسبابها وعوامل انتشارها واتخاذ آلية
سليمة لاستئصالها ودرء وجودها ووقف امتدادها حال وجودها بمنهجية هادئة هادفة
مدروسة مؤصلة بالعلم والبيان والحجة والبرهان ومتصفة بالوضوح والشفافية ووضع صيغة
موحدة بمواجهتها تشخيصًا لداء ووصفًا للدواء حتى تسعد البشرية وتأمن الإنسانية ويسلم
العالم من غوائلها وشرورها، مع العمل المنسّق على استئصال جرثومتها من البلاد
الإسلامية خاصة ومن المجتمعات الدولية عامة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس
لا يعلمون فلذلك فادعوا واستقم كما أُمرت ولا تتبع أهوائهم وقل آمنت بما أنزل الله
من كتاب وأُمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة
بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي
سيد المرسلين، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين
من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

إِنَّ
رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[يوسف: من
الآية100]،
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[النور: من
الآية31].

الخطبة
الثانية:

الحمد
لله الكريم الوهاب، أمر بالعدل وحرّم الظلم والإرهاب، وأشهد أن لا إله إلاّ الله
وحده لا شريك له عليه توكلت وإليه متاب، وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله
المصطفى الأواب، خير نبي أُنزل عليه خير كتاب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ألي
النهى والألباب والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واتقوا يومًا
ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون، واعلموا أن أصدق
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وسر الأمور محدثاتها وكل
بدعة ضلالة.

عباد
الله: في ضل اختلاط الأوراق والتباس الحقائق فإن العالم ينشد الحقيقة، وأنتم أيها
المسلمون أهل الحق والحقيقة، فالله الله في تجلية الصورة المشرقة عن الإسلام وأهله
بعد أن سقطت الأقنعة، وأفلست الشعارات، وظهر عوار كثير من النظم والنظريات، وبعد
أن شُوّه الإسلام من صرفي الإفراط والتفريط ومسلكي الغلو والجفاء، فإن العالم
يتطلّع إلى مستقبل أفضل يتفيأ من خلاله ضلال هذا الدين القويم، في واحة من الأمن
الوارف الذي لا تنغّصه الجرائم والمخاوف مما يتطلب الجد في تطبيق الإسلام الحق وإظهار
محاسنه الفريدة ومزاياه الحميدة، والنهوض بمستوى الدعوة الإسلامية، وتنسيق الجهود
والمواقف في ذلك، واستثمار آليات العصر وتقاناته لخدمة هذا الغرض النبيل، ومتابعة
قضايا أمتنا الإسلامية ورعاية أحوال الجاليات والأقليات الإسلامية في العالم، وتغرق
الأمة أفرادًا ومجتمعات للبناء الحضاري في شتى المجالات حتى يتحقق لأمتنا
الإسلامية عزها ومجدها المؤمل ومكانتها المرموقة بين العالمين، وليس لنا بغير
الدين مستعصم، ولا بغير الشريعة مستمسك، وقد تشعبت بالأمة السبل وطفح فيها طوفان
الفتن، ومن فضل الله على هذه الأمة أن يهيأ لها في كل خلف من يعيد أمجاد السلف، ومن
يقوم بأمر دينها ويجدد ما اندرس من معالم شريعتها، وما دعوة التوحيد والإصلاح التي
انبثقت من تلك الربى والبطاح في أرض الحرمين حرسها الله حينما تعانق سلطان العلم
مع سلطان الحكم في ملحمة فريدة ومنظومة متألقة ونسيج متميز إلاّ منّة من الله
سبحانه لا على أهل الجزيرة فحسب وإنما على أهل البسيطة عامة، مما أثمر أُكل مأتية
وبساطًا أمنيًا وتلاحمًا قياديًا وشعبيًا وجهدًا إسلاميًا وعملاً إنسانيًا وصرحًا
حضاريًا ومركزًا عالميًا ووزنًا وثقلاً دوليًا وموقفًا تأريخيًا ومن الإرهاب
حازمًا قويًا جعله الله خالصًا مرضيًا وزادها توفيقًا دنيويًا وأُخرويًا. ألا فلتعلموا
يا رعاكم الله أن أول لبنةً في الإصلاح العودة إلى النفوس وتقويمها، والحذر من انفصام
عرى التأسي، والوقوع فيما يحدثه الناس من اعتقادات وأعمال ليس لها مستند صحيح أو
أثارة من علم صريح كما يعتقده بعض العامة في شهر رجب وتخصيصه بعبادات لم تكن
مأثورة عن سلف هذه الأمة رحمهم الله، يقول الإمام الحافظ ابن حجر- رحمه الله -: لم
يثبت في فضل شهر رجب ولا في فضل ليلة معينة منه حديث صحيح يصلح للحجة. ألا فلنتقي
الله عبد الله، وليقم كل منا بواجبه تجاه دين الله، ولنكن أعين ساهرة في الحفاظ
على عقيدتنا وأمن بلادنا وسلامة مجتمعاتنا من عبث العابثين وكيد الكائدين، ولعل في
طيّات المحن منحًا وفي خضم الآلام آمال مما يدعو إلى إنابة مخلصة، ومحاسبة دقيقة، ومراجعة
مستمرة، وتفاؤل دائم، واستشراف لآفات المستقبل حتى ينطلق الجميع بخطى راسخة علمًا
وعملاً ودعوةً وإصلاحًا لكل ما فيه سعادة البلاد وصلاح العباد، وكان الله في عون
العاملين المخلصين لخدمة دينهم وأمتهم ومجتمعهم.

إخوة
الإسلام: مسك الختام الصلاة والسلام على خير الأنام كما أمر بذلك الملك العلاّم
فقال عز من قائل في محكم التنزيل وأصدق القيل:
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image001

إِنَّ
اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Image002

[الأحزاب:56]،
اللهم صلّي وسلّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز
الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد
آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أدم على هذه البلاد عقيدتها وقيادتها وأمنها
وأمانها يا رب العالمين، اللهم وفّق إمامنا إلى ما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى،
اللهم وفّق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم يا
سميع الدعاء، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا وأصلح لنا ...

[/center]

الله يجزاك خير وجعل طرحك النافع في ميزان حسناتك
وأسأل الله ان يسدد خطاك لما يحب ويرضى
احترامي

جزاك المولَى على هذا الطرح خيرا
واثابك ولاحرمك الاجرَ
واسأل الله تعالى ان يجعله في موازين حسناتك
دام لنا عطائك

شكرا لمروركم على موضوعي
اسعدتموني
خطبة الجمعة بعنوان ظاهرة الإرهاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن السديس Ta7a_47

بارك الله فيك وجزاك كل خير واسال الله العضيم
ان يجعل ذالك في موازين حسناتك واساله عزوجل ان يسقيك
شربة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم
لا ضمأإ بعدها ابدا اميييين

جزاك المولَى على هذا الطرح خيرا
واثابك ولاحرمك الاجرَ

» خطبة الجمعة بعنوان حرب الشائعات لفضيلة الشيخ : عبدالرحمن السديس
» خطبة الجمعة بعنوان السياحة في ميزان الشريعة لفضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس
» خطبة الجمعة بعنوان معوقات الزواج ومنكرات الأفراح لفضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس
» خطبة الجمعة بعنوان كيف يعُالج الإرهاب لفضيلة الشيخ : صالح بن حميد
» خطبة الجمعة بعنوان خطر السحر والشعوذة لفضيلة الشيخ: عبد الرحمن السديس