سورية ترفض عرضاً أميركياً جديداً.. لبنان والأردن بَلدان بديلان لحكام السعودية وقطر …أحمد زين الدين
بائس برهان غليون، لا بل تائه وضائع، كما يصفه أكاديمي لبناني مقيم في باريس، فقد خُيّل لهذا “المثقف” في لحظة ما، أنه صار قاب قوسين أو أدنى من قصر المهاجرين، لكن المشكلة التي شغلت باله في لحظات الوهم، هي ماذا يفعل بخليلته التي تلازمه في حله وترحاله؟!
كم هو بائس هذا الرجل، حسب الأكاديمي اللبناني، لأن هذا الـ”غليون” قرّر في لحظة الوهم أن يتعلم أصول البروتوكولات الرئاسية، فحدق كثيراً في المرايا، حتى يروى أنه في الفنادق التي كان ينزل فيها في الدوحة واسطنبول والقاهرة، كان يتأمل بالمرايا طويلاً، ليرى ظله الذي وجده يزداد شحوباً، وفي باريس صارت قدماه تقوده من حيث يدري أو لا يدري، مع خليلته للتنزه، أمام الشانزليزيه، لكن من الواضح، كما يرى اللبناني القادم من بلاد الجبنة، أن الـ”غليون” سينتظر كثيراً، وربما لن يجد بعد حين رصيفاً لينتظر أو يتسكع عليه، حتى الأدغال قد لا تحتمله، رغم الملايين التي جناها من أسياده في الدوحة والرياض..
وينقل هذا الأكاديمي الهلوسات التي بدأ يتحدث بها الغليون، حيث يتساءل هذا الأخير: لماذا لا يُسمح لأميركا بالتدخل العسكري في سورية؟ ولماذا لا تحمي واشنطن المعارضة؟ كما يسأل بغضب: لماذا موسكو وبكين تتدخلان وتعملان لحماية النظام في سورية؟
نسوق هذه الحادثة لا لنؤكد أن المعارضات السورية سقطت وفشلت وانتهى مشروعها، إنما لنشير إلى حجم الأوهام والأمراض التي تتملك هذه القوى التي قررت ارتكاب فعل الجريمة بحق بلدها وأهلها، والتي استطاعت السلطة الوطنية أن تجهض معظم حلقاتها الجهنمية.
فوفقاً للوقائع والتطورات الميدانية والسياسية في سورية، ثمة يأس بات يتملك الحلف المعادي لدمشق، التي استطاعت أن تكسر الحلقات التآمرية، لاسيما بعدما دانت لها السيطرة على الجغرافيا السياسية، بفعل الحسم الذي مارسته في مناطق تمدد المجموعات الإرهابية المسلحة، كحال إدلب وحماه وحمص، وتحديداً في بابا عمرو، التي رأى فيها وليد جنبلاط أنها “ستالينغراد” التي ستضع حداً للنظام التقدمي في سورية.
فقد تبين أن أعداء سورية حشدوا أكثر من أربعة آلاف مقاتل في هذه المنطقة، مزودين بأحدث التجهيزات القتالية، لكن أقل من 700 جندي سوري استطاعوا حسم المعركة وتطهير بابا عمرو، ما جعل الخبراء العسكريين الاستراتيجيين يصفون معركة بابا عمرو بأنها فتح عسكري نموذجي ونوعي يسجَّل للجيش العربي السوري، وتجعل من هذه التجربة مادة تدرَّس في الأكاديميات والكليات العسكرية.. وكان لهذا النصر أثره في ارتفاع وتيرة الإجرام بحق الشعب السوري، من خلال استنفار أعداء سورية كل احتياطاتهم، وأبرزها استحضار عقيدة المجرم الأميركي جون نيغروبونتي، الذي يرتبط بعلاقات خاصة وصداقة قوية مع عرّاب تنظيم القاعدة بندر بن سلطان، ناهيك عن أحد أبرز مساعدي نيغروبونتي سابقاً؛ السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، الذي كان المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية عن تشكيل “فرق موت” من أشخاص مرتبطين بتنظيم القاعدة في أفغانتسان والعراق، واليمن والشيشان، وتوظيفهم للقيام بعمليات ضد الجيش وقوات الأمن السورية.
وقد عمل فورد سابقاً في منصب المسؤول السياسي في السفارة الأميركية في بغداد بين 2004 و2006؛ حين كان جون نيغروبونتي سفيراً لواشنطن في العراق، والذي كان سفيراً للولايات المتحدة في الهندوراس بين عامي 1981 و1985، وأصبح فورد الشخصية المركزية في عملية توظيف عرب ومسلمين من الشرق الأوسط وما بعده للقتال ضد النظام السوري، ولم يقم هؤلاء الإرهابيون المدعومون من الولايات المتحدة وقطر والسعودية فقط بمهاجمة القوى الأمنية السورية، بل قاموا أيضاً بارتكاب المجازر ضد المدنيين في عمليات التفجير الإجرامية.
خيار فورد – العروبيين حصل في ليبيا، حيث قام مقاتلو القاعدة الذين تم جلبهم من العراق وأفغانستان واليمن، بارتكاب الجرائم ضد المدنيين الليبيين، كما قام فورد بتقديم النصائح لمقاتلي المعارضة الليبية حول كيفية تنفيذ هجمات “فرق الموت”.
وبين عاميْ 2006 و2008 عمل فورد كسفير لبلاده في الجزائر، التي بدأت تشهد عودة ظهور هجمات من تنفيذ إرهابيي القاعدة ضد أهداف حكومية جزائرية، وفي الحقيقة ينظر إلى الجزائر على أنها المكان التالي الذي سيتم استهدافه في سياق السعي الأميركي للسيطرة العسكرية والسياسية على شمال أفريقيا.
بأي حال، بعد أن أفشل “عرب أميركا” مهمة بعثة المراقبين العرب، ثمة توقعات كثيرة بأن ينهوا، بالتعاون مع الأميركي والغرب، وبتواطؤ مفضوح مع صاحب المبادرة الأممية كوفي أنان، مهمة المراقبين الدوليين الذين يتلمسون مباشرة الأعمال الإجرامية للعصابات المسلحة، خصوصاً أن أنان يولي اهتماماً كبيراً بدفع وتمويل قطري لتوحيد المعارضات السورية ضد دمشق، وكان لافتاً تركيز ناصر القدوة؛ نائب أنان، على اجتماعات إعادة هيكلة المجلس الوطني السوري، مما يُعتبر ابتعاداً عن خطة أنان ذاتها.
ثمة استنفار شامل يقوده الأميركي؛ باستحضار كل أدواته دفعة واحدة في مواجهة سورية، بدءاً من الحشد الخليجي، إلى أدواته في الأردن ولبنان، والذي يتكوّن من مجموعات التطرف التكفيري، وفي قلبها وعلى رأسها القاعدة، وبرنامجها توريط السوريين بالفوضى والعنف، إلى المجرمين العاديين من مهربين وقطّاع طرق ولصوص وفارين من العدالة، إلى الفلول المحدودة لما يسمى الجيش الحر، والذين يحافظون على دورهم بمجاراة حراك المسلحين الآخرين، ويتصدرون الإعلام بلا وجود حقيقي، تضاف إلى ذلك شبكات المخابرات القطرية والسعودية والتركية، التي تمول وتسلح، بعد يأس حكوماتها من أي دور في المستقبل السوري، وقناعتها بأن نهاية الأزمة في سورية، بداية التأزم في أوضاعهم.
ووفق رؤية وتحليل الخبراء الاستراتيجيين، فإن الدولة السورية تسير نحو حسم المعركة، التي قد لا تنتهي بين ليلة وضحاها، ولا في أسابيع، لأن دمشق في هذه المعركة مع حلفائها ترسي معادلة وتوازناً دولييْن جديديْن، فمعركة سورية الآن هي معركة آسيا الجديدة، وفيها تحدد ملامح أوراسيا التي تحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم تنصيبه.
والسؤال برأي الخبراء: هل ستمنح واشنطن أو تعترف بنصر سورية؟ ليجيبوا أن الولايات المتحدة لن تعترف بهذا النصر قبل إجراء صفقة كبرى، وهم يجزمون بأن معركة المخاطر الاستراتيجية لإسقاط سورية فشلت، وإن كان هناك سباق بين أعمال إرهابية وتفجيرات وإعلان الرئيس الأسد عن النصر المؤزر.
ويحدد الخبراء ملامح التسوية الكبرى، فيؤكدون أن عرضاً أميركياً قدم للرئيس الأسد لإعلان نصره يقوم على تسليمه الورقة اللبنانية بالكامل، مع قسم أساسي ورئيسي من ورقة العراق، مقابل ضمان أمن “إسرائيل”، لكن الأسد، كما رفض إغراءات وتهديدات كولن باول عام 2003، رفض مجرد البحث في هذا الأمر، خصوصاً أن حلف المقاومة والممانعة قوي إلى درجة أنه استعمل بعض الأوراق في عز الأزمة السورية، فهزت أوصال حلف أعداء سورية ومنها:
- ضرب المفاصل الأساسية في المؤامرة على سورية.
- إجراء دمشق مناورات عسكرية وصاروخية أذهلت المراقبين.
- فرض الانسحاب الأميركي من العراق نهاية 2011.
- مناورات عسكرية إيرانية نوعية في مضيق هرمز، وأسر طهران لأحدث طائرات الاستطلاع الأميركية التي كانت تحوم في أفغانستان، وليس قرب إيران كما ذكر، والاطلاع على أسرارها، وبدء تصنيع مثيلات لها بخبرات إيرانية صرفة.
- جهوزية فائقة واستعداد المقاومة الإسلامية في لبنان، وإعلان السيد حسن نصرالله عن معادلات جديدة في أي معركة مع العدو الصهيوني.
أخيراً، برأي المراقبين أن المعركة الآن هي معركة فاصلة سيطرح فيها مصير بقاء الأُسر الحاكمة في الخليج، خصوصاً في السعودية وقطر، وبالتالي فإن السعودي والقطري يخوضون الآن معركة بقائهم واستمرارهم، على أن الخطير في الأمر هو التخطيط لجعل الأردن ولبنان وطنيْن افتراضييْن لهما.. ومن هنا يلفت المتابعون الاستراتيجيون إلى تصاعد وتيرة تملّك حكام الخليج في لبنان في السنوات الأخيرة، كما يوضع التصعيد المشبوه بتوقيته في الشمال، وفي طرابلس على وجه التحديد، مع ما يترافق ذلك من حملة ضد الجيش اللبناني، بالتزامن مع تجفيف تمويله ودعمه، والذي تلعب دوراً بارزاً فيه مراجع كبيرة.
وبرأي الخبراء الاستراتيجيين، فإن الأحداث التي تجري في الشمال، سواء لجهة استهداف الجيش اللبناني، أم دعم المخربين ضد سورية، وتوفير الملاذ الآمن للمجموعات الإرهابية المسلحة، من دون أن ننسى ما يحضَّر لعرسال في البقاع الشمالي، يراد منه نوع من المحاصرة للمقاومة جنوباً من خلال العدو الصهيوني، وشمالاً من خلال ما يجري على ساحة طرابلس.. لكن حبذا لو أن بعض الرؤوس الحامية تفهم جيداً الكلام الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله..
قد يكون ضرورياً النظر إلى المناورات العسكرية المشبوهة التي ستجري في الأردن، والتي تشارك فيها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والسعودية وقطر، بالإضافة إلى الأردن، خصوصاً في ظل ما يجري عن احتمال بقاء ما بين 16 ألفاً و20 ألف جندي سعودي معظمهم من المجنسين في الأردن بعد هذه المناورات.
الثبات