حقيقة الأخوان التي كشفها ” الربيع “
بعد الأحداث التي شهدتها البلاد العربية منذ مطلع العام الماضي ، تكشفت كمية من الحقائق والمعطيات للرأي العام العربي ، تطال حقيقة التنظيم العالمي للأخوان المسلمين وسلوكه السياسي ، بعدما كان هذا التنظيم يلوذ بالعمل السري ، و ينال شيئا من التعاطف في صفوف الجمهور، وفي بعض الدول العربية التي شملتها موجة ما يدعى بـ”الربيع العربي” تكفلت الأشهر الأخيرة بفضح الكثير من الحقائق التي كانت خافية ، بعدما انتقل التنظيم إلى صدارة الأحداث وباتت ارتباطاته الخارجية وسلوكه السياسي تحت الضوء.
أولا: تكشف سلوك قيادة الأخوان عن انتهازية خطيرة في السياسة محورها فكرة أن كل شيء جائز مقابل الظفر بالسلطة ، و على ذلك تم عقد صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية تقوم على التعهد بحماية الهيمنة الغربية ، وبتجديد دعائمها ، وبالالتزام بكل ما يرتبه مبدأ حماية الأمن الإسرائيلي في المنطقة ، في مقابل القبول الأميركي والغربي للأخوان المسلمين كقوة رئيسية في إعادة السلطة بالتعاون مع المجموعات السياسية أو العسكرية التي ترتبط بالمخابرات الأميركية.
هذه الحقيقة ظهرت في مصر من خلال التعهد بحماية كامب ديفيد و مترتباتها الأمنية والاقتصادية ، و في تونس من خلال الالتزامات التي قدمها زعيم حركة النهضة صالح الغنوشي في واشنطن ، و في ليبيا عبر إباحة البلاد أمام مخابرات الناتو وإسرائيل والعلاقات السرية والعلنية بين القادة الجدد وتل أبيب تحت رعاية برنار ليفي .
أما في سورية فيشكل تنظيم الأخوان العامود الفقري لمجلس اسطنبول الذي يسعى إلى تقويض الدولة السورية عبر المطالبة بغزو عسكري للبلاد ، وتبني نشاط العصابات الإرهابية المسلحة ومن خلال التعهد المباشر بضمان المصالح الإسرائيلية انطلاقا من مضمون المشروع السياسي المبني على نقل سورية من موقعها الاستراتيجي في محور المقاومة والاستقلال إلى دولة تابعة للهيمنة الاستعمارية الغربية.
هكذا برز تنظيم الأخوان المسلمين في هذه الدول كمعبر أساسي عن مشروع تجديد الهيمنة الاستعمارية وحماية الأمن الإسرائيلي ، وعن مبدأ الارتباط بالخطة الأميركية لاحتواء الفشل الاستراتيجي ، من خلال إقامة سلطات عميلة للغرب تتخذ طابعا إسلاميا رجعيا وتلتزم بموجبات الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي وكل من تمرد داخل تنظيمات الأخوان على هذه التوجهات تلقى عقابا شديدا من قيادة التنظيم ، وهو ما ولد الانشقاقات التي ظهرت خصوصا في مصر بعد مساهمة شباب الأخوان في اقتحام السفارة الإسرائيلية ، بينما تعيش حركة حماس حالة من القلق و الاضطراب السياسي بفعل تعارض انتمائها لمنظومة المقاومة و التحاقها السياسي بقيادة التنظيم العالمي ، لا سيما في الملف السوري.
ثانيا: استحضرت حركة الأخوان في نشاطها مجموعات رديفة متطرفة تعمل تحت ظلالها ففي سورية تحالفت مع عصابات التكفير ومع فلول القاعدة ، وقاد عدد من الأخوانيين عصابات مسلحة شاركت مع هذه الفلول التكفيرية والقاعدية ، في ارتكاب مجازر ضد المدنيين و العسكريين ، ونظمت تفجيرات انتحارية لهز الأمن السوري ولترويع الرأي العام وأثارت مناخا من الحقد والكراهية الذي يستهدف تمزيق البلاد طائفيا وهو ما شهدت به عمليات القتل والخطف التي نفذت في العديد من المحافظات السورية وأخطرها ما تعرض له عشرات آلاف المسيحيين في مدينة حمص الذين أحرقت كنائسهم وهجروا من بيوتهم.
بالسوية ذاتها كان فعل الأخوان في مصر من خلال المناخ التعبوي الذي نشطت فيه تحت الرعاية الأخوانية جماعات متطرفة وتكفيرية وقاعدية ، شرعت في استهداف المواطنين الأقباط وكنائسهم ، وهي تشكل خطرا مقيما على الوحدة الوطنية للشعب المصري وهذا أمر ينسجم مع العقيدة الأميركية المتعلقة بتفكيك الدول والكيانات الوطنية العربية وتحويل المجتمعات إلى عصبيات متناحرة لإقامة واقع سياسي يحكمه الاضطراب والصراع المستديم و غايته حماية إسرائيل .
ثالثا: إذا كان قادة الأخوان قد تكشفوا عن قوة فاقدة للمشروعية الأخلاقية في سلوكهم السياسي عبر صفقتهم المشينة مع الغرب وبرزوا كقوة دافعة لضرب وحدة النسيج الوطني من خلال ثقافة الفتنة التي ساهموا في ترويجها ، وفي حماية القوى الناشطة لتحويلها إلى اقتتال داخلي وتناحر طائفي ومذهبي ، فهم في الوقت عينه كشفوا عن حقيقة خيارهم الاقتصادي الاجتماعي القائم على إدامة واقع الإفقار والتبعية للغرب وإشاعة سلوك التسول في صفوف الطبقات الشعبية بدلا من تبني مشروع شامل لإعادة بناء الاقتصاد الوطني في مصر.
أما في سورية فان خطة التدمير الشامل التي ينفذها الأخوان تستهدف الاقتصاد الوطني الذي كلف السوريين تضحيات كبيرة في عقود مضت .
ولم يخف مجلس اسطنبول الأخواني التزامه بالمشروع الاقتصادي الذي يروجه الأميركيون في المنطقة لتجديد هيمنتهم تحت عنوان الاقتصاد الحر والمفتوح وهو في سورية وفي مصر لا يعني غير تدمير المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية التي تحظى بها الفئات الشعبية والوسطى لصالح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى التابعة للاستعمار ، وفي سورية بالذات يسعى الأخوان على هذا النحو وبهذا البرنامج إلى سحق واقع الاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة إلى الاستدانة اللذين يميزان الدولة الوطنية ، بينما هم في مصر وفي تونس وفي ليبيا يؤسسون لمواصلة العمل بالنهج الاقتصادي المرتهن للاعتماد على القروض والاستدانة والتبعية لوصفات البنك الدولي ولصندوق النقد اللذين تهيمن عليهما الولايات المتحدة.
و بلغت الذرائعية الانتهازية مداها في سلوك الأخوان ، فشبكت البعدين الوطني والاجتماعي من خلال معادلة التمسك بكامب ديفيد لقاء الهبات والقروض الأميركية فجاءت الفضيحة مزدوجة وسقط القناع بتبرير حماية الأمن الإسرائيلي لصالح الانخراط في نهج مبارك الاقتصادي عبر التبعية لواشنطن وإبقاء مصر في حالة الملحق الذليل والخاضع للهيمنة الاقتصادية الغربية بدلا من تبني مشروع إنهاض القوة المصرية وتحريرها من معادلة الهيمنة الأميركية الإسرائيلية اقتصاديا وسياسيا و وطنيا.
غالب قنديل.. وكالة اخبار الشرق الجديد