السؤال : كنت أعمل في شركة كمبيوتر لمدة 10 سنوات تقريبا ، عند استقالتي من الشركة لم يدفعوا لي مكافأة نهاية الخدمة ولا مستحقات مالية أخرى (مبلغ إجمالي لا يقل عن 55000) . تقوم الشركة بتصنيع برنامج كمبيوتر ، هل حلال أن أبيع البرنامج لأحصل على مستحقاتي؟ الرجاء ملاحظة أن ثمن بيع البرنامج يعادل تقريبا مستحقاتي وأني سأبيعه في مكان لا تعمل به الشركة .
الجواب :
الحمد لله
إذا لم يمكنك أخذ مستحقاتك الثابتة لك شرعا ، ولو بالرجوع إلى القضاء - الذي لا يرهقك ولا يكلفك - ، فلك أن تأخذ قدر حقك ولا تزيد ، وهذا ما يعرف عند أهل العلم بمسألة الظّفَر .
فمن كان له على آخر حق ، وهو منكر له أو ممتنع عن أدائه ، فظفر المظلوم بشيء من مال الظالم ، فهل له أخذ حقه من هذا المال؟
ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن له ذلك ، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان لما اشتكت إليه أن أبا سفيان لا يعطيها ما يكفيها وأولادها من النفقة : (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
وبما رواه البخاري (2461) ومسلم (1727) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ) .
وبوب عليه البخاري بقوله : قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه.
قال الحافظ في الفتح : " واستُدل به على مسألة الظفر ، وبها قال الشافعي فجزم بجواز الأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي ، كأن يكون غريمه منكرا ولا بينة له ، عند وجود الجنس [أي يكون المال المأخوذ من جنس حقه] ، فيجوز عنده أخذه إن ظفر به، وأخذ غيره [أي من غير جنس ماله] بقدره إن لم يجده، ويجتهد في التقويم ولا يحيف .
ومحل الجواز ما إذا أمن الغائلة كنسبته إلى السرقة ونحو ذلك " انتهى باختصار .
وقال الشافعي رحمه الله في الأم (8/428) : " باب أخذ الرجل حقه ممن يمنعه إياه : وكانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكت إليه أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف ، فمثلها الرجل يكون له الحق على الرجل فيمنعه إياه ، فله أن يأخذ من ماله حيث وجده بوزنه أو كيله ، فإن لم يكن له مثل كانت قيمته دنانير أو دراهم ، فإن لم يجد له مالا باع عَرَضه [كل ما له قيمة] واستوفى من ثمنه حقه .
فإن قيل : فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أد إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) قيل : إنه ليس بثابت . ولو كان ثابتا لم تكن الخيانة ما أذن بأخذه صلى الله عليه وسلم، وإنما الخيانة أن آخذ له درهما بعد استيفائه درهمي فأخونه بدرهم كما خانني في درهمي، فليس لي أن أخونه بأخذ ما ليس لي وإن خانني " انتهى.
وقال الشنقيطي رحمه الله : " إنْ ظلمك إنسانٌ بأنْ أخذَ شيئاً مِن مالِك بغير الوجه الشرعي ،
ولم يمكن لك إثباتُه ، وقدرتَ له على مثل ما ظلمك به على علو وجهٍ تأمن معه الفضيحة
والعقوبة ، فهل لك أنْ تأخذَ قدرِ حقِّك أو لا ؟
أصحُّ القولين ، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس : أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك مِن غيرِ زيادةٍ ؛ لقوله تعالى : ( فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ…) الآية ، وقوله : ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم ) ، وممن قال بِهذا القول : ابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ،
وسفيان ، ومجاهد ، وغيرهم .
وقالت طائفة من العلماء - منهم مالك - : لا يجوز ذلك ، وعليه دَرَج خليل بن إسحاق المالكي في " مختصره " بقوله في الوديعة : وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها ، واحتج من قال بِهذا القول بحديث : (أَدِّ الأمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) اهـ .
وهذا الحديث - على فرض صحته - لا ينهض الاستدلال به ؛ لأنَّ مَن أخذَ قدرَ حقِّه ولم يزد عليه لم يخن مَن خانه ، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه " انتهى من "أضواء البيان" (3/353) .
ويُنظر: "البحر الرائق" (7/192) ، "الفتاوى الهندية" (3/ 419) ، "حاشية الدسوقي" (4/225) ، "تحفة المحتاج" (10/288) .
والأخذ بمسألة الظفر مقيد بثلاثة أمور ، تُعلم من مقاصد الشريعة وقواعدها ، ومما سبق نقله عن أهل العلم :
الأول : ألا يأخذ أكثر من حقه .
الثاني : أن يأمن الفضيحة والعقوبة .
الثالث : ألا يمكنه الوصول إلى حقه عن طريق القضاء ، لعدم وجود البينة لديه ، أو لسوء إجراءات التقاضي وما يصحبه من كلفة وتأخر .
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يجز له العمل بمسألة الظفر .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب