لم يعد ثمّة مجال للتساؤل إن كانت القاعدة (تعمل) في سورية، فهي باعتراف أحد قادتها في (جبهة النصرة لأهل الشام)، الذي يلقب نفسه بالفاتح أبو محمد الجولاني، في تسجيل مصوّر، هي المسؤولة عن عمليتي حلب اللتين وقعتا قبل شهرين، وتسببتا في قتل وجرح عدد من المواطنين السوريين، وأفراد من حفظ النظام، وألحقتا أضراراً في المباني والمحال التجارية.
الدكتور أيمن الظواهري، قائد القاعدة بعد رحيل الشيخ بن لادن، وجّه نداء مسجلاً لمقاتلي القاعدة في البلدان المجاورة لسورية، للتوجه لنصرة أهل الشام. القاعدة وجدت قبل الحراك الشعبي السلمي المطالب بالتغيير، وقامت بعمليات كبيرة في العام 2008. في كتاب: القاعدة.. التنظيم السرّي، للصديق عبد الباري عطوان، نقرأ ما يلي: وما زال من غير المعروف ما إذا كانت الخلية التي نفذت هجوماً انتحارياً في إحدى ضواحي دمشق عام 2008 تابعة لتنظيم القاعدة في لبنان، أم هي جزء من فرع خاص داخل سورية. (ص20).
المهم ليس أي فرع قام بالعملية التي استهدفت مقراً أمنياً، وألحقت خسائر بشرية كبيرة، فالقاعدة هي من خطّط ونفذ، وقبل ثلاث سنوات تقريباً من الحراك الشعبي السلمي في سورية.
في اليوم التالي لظهور (الجولاني)، وللسيارتين المفخختين، و(الاستشهاديين) اللذين فجرا نفسيهما في عمليتي حلب، رأينا مسيرة سيّارة مسلحة لعدد من أفراد القاعدة في مدينة (الشيخ زويّد) في مصر، يستعرضون قوتهم المسلحة دون قلق أمام وحدات الجيش المصري، وسمعنا (أبو البراء) يقول باسمهم: نحن سندافع عن ديننا بالعمليات الاستشهادية المباركة!.. ثمّ يضيف: بعد أن نسقط بشار الأسد سنتجه لتحرير فلسطين!.
طبعاً هنا يتبادر سؤال لا بد منه: ولماذا لاتتجهون فوراً لتحرير فلسطين خاصة والشيخ زويّد قريبة جداً من حدود فلسطين؟!.
بعد يومين أوقفت السلطات البحرية اللبنانية سفينة محملة بأسلحة مشحونة من ليبيا، وتحديداً من ميناء (مصراتة)، المدينة الثائرة التي اشتهرت بتحلمها للقصف الصاروخي والمدفعي من قوات القذافي، والتي لم تهنأ بثمار مقاومتها هي وأخواتها المدن الليبية.
الأسلحة التي تتضمّن مضادات صاروخية sam7 ..هل شحنت لحماية الحراك الشعبي السلمي؟ وقذائف المدفعية من عيار 155 هل سترافق التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية السلمية؟! وبنادق الإم 16 وقواذف الآربيجي، والمناظير الليلية.. أهي فعلاً أسلحة ستساعد الشعب السوري لانتزاع حريته، وإنجاز الديمقراطية التي ستفتح له أبواب المستقبل؟!.
بعد ظهور الجولاني بيوم واحد وإقراره بعمليتي حلب، فجّر انتحاري نفسه في حي الميدان العريق، قرب مسجد زين العابدين، عند خروج المصلين بعد أدائهم لصلاة الجمعة.. ولقد رأينا أشلاء جثث المصلين وبعض الجنود، وأفراد حفظ النظام الذين كانوا يتواجدون تحت الجسر قرب المسجد.. وبادر تنظيم (النصرة) فأعلن مسؤوليته عن العملية في موقعه على النت.
تُرى: هل قتل المصلين المؤمنين بلا أدنى حساب لقيمة الإنسان، هو خدمة للإسلام، وإنجاز على طريق تحقيق (الخلافة) التي تؤمن بها القاعدة؟!.. وهل تمزيق بعض الجنود، ورجال حفظ النظام، وهم جميعاً من أبناء الفقراء، يقع تحت عنوان: نصرة أهل الشام؟؟!!.
يطرح عطوان في كتابه عن القاعدة السؤال التالي: كثيراً ما يُطرح عليّ السؤال التالي: ما الذي يريده بن لادن؟..
يستعين عطوان بالمعارض السعودي سعد الفقيه الذي يقدّم له الجواب التالي: يؤمن بن لادن أن الحياة امتحان يريد منه الخالق اختبار إيمانه وثباته وطاعته. وكثيراً ما كان يقول إنه لا يطمح إلا إلى دخول الجنة، وإن أسرع طريق إليها هو الجهاد والاستشهاد في سبيل الله.(83 و84).
هذا خيار فردي، ولكن الأمم والشعوب لا تطوّر حياتها، وتنهض، وتتحرر.. بهذا الخيار، مع التذكير بأنه من حق الأفراد ألا يقتلهم انتحاريون لأخذهم معهم إلى الجنة!.
من حق العربي مسلماً ومسيحياً أن يعيش حياته على مهله، وأن يفعل كل ما يريح ضميره، وينسجم مع (دينه)، أو خياره الفكري في الحياة الدنيا.. أمّا الحساب فليوم الحساب!.
من حقنا أن نتساءل: ما الذي تريده القاعدة، خاصة وجهات عدّة تعمل حالياً في سورية، وأغلبها خلفيته (إسلامية)، يتقدمها الأخوان المسلمون الذين لا يستطيعون أن يموهوا دورهم، مهما تقنعوا بليبراليين وديمقراطيين يلعبون دور الواجهة الشكلية الجاذبة والمضللة.
في كتاب عطوان لم أجد ما يجيب على السؤال: ما الذي تريده القاعدة.. أي: ما هو برنامجها السياسي، والاستشهاد ليس برنامجاً سياسياً، والقرآن مرجع لكل المسلمين المؤمنين، وليس حكراً على طرف، أو فرد، أو تنظيم!.
القاعدة في سنواتها (العراقية) لجأت لتفجيرات حصدت أرواح ألوف العراقيين، وهي خلطت الأوراق، وأججت الكراهية والأحقاد والشك والفرقة بين مكونات المجتمع العراقي بعملياتها التي حصدت أرواح أبرياء لا يجوز قتلهم.
هل يا ترى -أنا أسأل لأنني لم أهتد لجواب- تؤمن القاعدة بأن نشر الفوضى والرعب، في بلد ما، يسهل انهيار( نظام الحكم) في سورية؟ هذا لم يحدث في العراق، والمؤكد أن من هزم الاحتلال الأمريكي هي المقاومة العراقية.
هل دخل الاحتلال الأمريكي على الخط، ودفع بمن يقترفون جرائم التفجيرات.. وألصقها بالقاعدة؟ ممكن، ولكن القاعدة لم تنف، وتحدّد نهجها بمقاتلة المحتلين الأمريكان وأتباعهم.. وتنظيم فضفاض كالقاعدة يمكن اختراقه لأنه غير مركزي، وهو منتشر كما يقال في 84 بلداً في العالم!.
قرأت في كتاب الصديق عبد الباري: ومعروف أن أحد الأهداف المعلنة لتنظيم القاعدة هو إعادة إحياء الخلافة والمجد الغابر للأمة الإسلامية. (ص92).
القاعدة تؤمن بالخلافة.. والإخوان أيضاً يؤمنون بالخلافة، ولكن لكل منهما طريقاً، ولذا فهما يتناقضان، مع أنهما ينطلقان من (إسلام واحد).. ولعلي أسأل: أين تلتقي القاعدة مع حزب التحرير الإسلامي الذي جوهر خطابه العودة للخلافة، طبعاً مع توحيد الأمة الإسلامية من بنغلادش حتى نيجيريا مروراً بأندونيسيا وباكستان وتركيا و.. أفغانستان.. وبلاد العرب.. ولكن بدون إيران التي سيكون لها خليفتها وفقاً لاجتهاداتها.. وهنا ربما تنشأ حروب بين الخلافتين!.. حدث من قبل أن وجد أكثر من خليفة في وقت واحد.. وبرأيي فإن أوهام إعادة الخلافة ليست سوى قفز فوق حقائق الواقع، والحياة، والتاريخ، والعصر.
يشير عطوان إلى أن أحد مراجع الشيخ بن لادن هو سيد قطب صاحب (معالم على الطريق)، الكتيب الذي يرى بأن المجتمعات الإسلامية رجعت إلى ما قبل الإسلام.. إلى الجاهلية الأولى، أي إنه يكفّر المجتمعات المسلمة جميعها!.. تُرى: ألا تبرّر هذه الأفكار إلى عدم أخذ حياة المواطنين في سورية وغيرها على محمل الاحترام، كون الفرد ينتمي لمجتمع جاهلي (كافر)، وهو ما يبيح قتله؟!.
ما هو موقف الديمقراطيين والليبراليين، ودعاة المجتمع المدني.. من العمليات الانتحارية التي تحصد أرواح السوريين بحجة حمايتهم؟! وأين هم من جُمع: من جهز غازياً.. وجاء أمر الله؟! هل يكفي التملّص من إدانة من يقومون بهذه العلميات بتوجيه الاتهام للسلطة؟!.
هناك أطراف عدّة تأخذ سورية الوطن والدولة إلى الخراب، وما بروز خطاب التصالح مع (إسرائيل) من الدواليبي ابن أحد أبرز رموز الانفصال سوى الهدف النهائي الذي تساق له سورية.
تسليح بعض الأطراف بحجة حماية المتظاهرين، ها هو ينتقل إلى مرحلة العمليات الانتحارية، والتفجيرات لنشر الرعب، وتدمير المؤسسات التي تعود لسورية الدولة والشعب: أنابيب النفط والغاز، مستودعات التموين.. قصف البنك المركزي، وتفجيرات حلب وإدلب.. والهدف تدمير كل مقومات سورية الوطن لتلحق بالعراق وليبيا.. وربما أسوأ!.