السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قسم الحديث الشريف - شرح الحديث الشريف - أحاديث قدسية - الدرس (06-31): أنا عند ظن عبدي بي لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2002-11-11
شرح الحديث الشريف أحاديث قدسية أنا عند ظن عبدي بي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الظن الحسن علامة معرفة الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، الله جلّ جلاله هو الذات الكاملة، وهو واجب الوجود، وما سوى الله ممكن الوجود، السموات والأرض و ما سوى الله ممكنة الوجود، ومعنى ممكنة الوجود أنه يمكن أن تكون وألا تكون، فيمكن إذا كانت أن تكون على النحو الآخر على غير الذي هي عليه، في هذا الكون حقيقة واحدة هي الله، كل السعادة، والأنس، والتوفيق أن تعرفه، وكل الشقاء، والهلاك، والمعيشة الضنك أن تغفل عنه، فالإنسان حينما يذكر الله يذكر الحقيقة الوحيدة في الكون، لذلك ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه:
((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
ما ظنك بالله؟ في بعض آيات القرآن الكريم يقول الله عز وجل:
﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾
[ سورة آل عمران: 154 ]
وفي آية أخرى:
﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
[ سورة الفتح : 6]
الحقيقة إذا عرفت الله تظن به الظن الحسن، فالظن الحسن علامة معرفة الله، والظن السيئ علامة الجهل به، ولأن ترتكب الكبائر أهون من أن تقول على الله مالا تعلم! فهذا الذي ينفر الناس من الذات الإلهية، ويبث عقيدة الجبر أن الله خلقه كافراً، كتب عليه الكفر قبل أن يخلق، وسيضعه في جهنم إلى أبد الآبدين، هذا لأن يرتكب الكبائر أهون من أن يقول على الله ما لا يعلم. حسن الظن بالله ثمن الجنة :
أيها الأخوة، حسن الظن بالله ثمن الجنة، وهو حقيقة، وسوء الظن به جهل، في علاقاتنا الاجتماعية قد تحسن الظن بإنسان ويكون على خلاف ذلك، أما فيما يتعلق بالذات الإلهية فحسن الظن بالله هو الحقيقة، وسوء الظن به هو الجهل، فلذلك علامة معرفة الله حسن الظن به، علامة معرفته أن تثق أن الله لن يتخلى عن المؤمنين، ولن يضيعهم، ولن يبخس عملهم، وفي الآخرة العاقبة للمتقين:
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي..))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
كيف تظن الله عز وجل؟ أضرب لكم مثلاً: يبين لك أنه إذا أطاع الله تخطفه الناس، ويفقد منصبه، ويسرق ماله، بشكل أو بآخر يوهم من حوله أن طاعة الله خسارة، وأن ما هم عليه الناس اليوم من ضلال، وانحراف، وبعد، هو الضمان والسلامة، هذا سوء ظن بالله.
﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾
[ سورة القصص: 57 ]
يوم كنتم مشركين كنتم آمنين، فلما آمنتم بالله ورسوله تتخطفون من أرضكم؟ يتوهم المتوهمون أنه إذا أطاع الله عز وجل فقد منصبه، وأنه إذا امتنع عن هذه العلاقة الربوية مات من الجوع، وأنه إن لم يضع ماله في مؤسسة ربوية ويرتكب أكبر معصية يضيع ماله، هذا كله يقوله المسلمون اليوم، إنه سوء ظن بالله عز وجل، وأن الفتاة إن لم تتبرج وإن لم تبدِ مفاتنها لن تتزوج، من يعرفها؟ مئات الطروحات ومئات أنماط السلوك تشف عن سوء ظن بالله عز وجل، إن لم يكن لك جهة قوية تعتمد عليها فأنت منهزم، على مستوى السياسة إن لم تكن دولة قوية أنت تابع لها، وتأتمر بأمرها، وتنبطح أمام رغبتها، فأنت منهزم، فأين الله؟ ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه :
مئات بل آلاف الطروحات، ومئات بل آلاف الأنماط السلوكية، كلها تشف عن سوء ظن بالله عز وجل:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾
[سورة البقرة: 143]
أن يضيع إيمانكم هذا مستحيل وألف ألف مستحيل! من حسن الظن بالله أن تعتقد أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومن حسن الظن بالله أن تعتقد أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، وأنه ينبغي أن تعتقد أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتذل، أو تعصيه وتعز، أو أن تدع شيئاً لله لابد من أن يعوضه الله عليك خيراً منه في الدنيا والآخرة، سبحانك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت.
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[ الجامع الصغير عن ابن عمر]
الفكر الشائع بين المسلمين هو سوء الظن بالله عز وجل :
أعيد وأكرر: الفكر الشائع بين المسلمين سوء الظن بالله، والسلوك الشائع بين المسلمين سوء الظن بالله، في إحصاء أخير ثلاثة آلاف مليار دولار من أموال المسلمين مودعة عند أعدائهم، والمسلمون في أمس الحاجة إلى هذا المال، أليس هذا السلوك سوء ظن بالله؟ لو أنه وظف هذه الأموال في بلاد المسلمين تمحق الأموال؟ لا والله ! وهناك قصص لا تعد ولا تحصى، أنت حينما تثق بالله، وأن الله لن يضيعك، حينما تمتنع عن شيء حرام ولو فيما يبدو أنه يغنيك إلى نهاية حياتك، وتقول: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، أنت حينما تمتنع عن معصية لابد من أن ييسر الله لك الطاعة، فيمكن أن يلخص الإيمان كله بحسن الظن، ويمكن أن يلخص ضعف الإيمان كله بسوء الظن، والله عز وجل يقول في الحديث القدسي:
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي..))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
ظن به كما شئت، بربكم -مثل تركيبي- لو أن جندياً والده قائد الجيش، وكل الرتب بالجيش بإمرة والده، وأن عريفاً هدده فارتعدت فرائصه خوفاً، أليس في عقله خلل؟ إذا كانت كل قوى الأرض هي لله وكل الطغاة عصي بيد الله فأي تهديد جاءك؟
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
[سورة الفتح: 10]
دخلت مرة إلى مسجد وهذه الآية الكريمة بصدر المسجد وبخط رائع وبحجم كبير:
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
[سورة الفتح: 10]
الابتعاد عن سوء الظن بالله عز وجل :
هذا الذي نسمعه اليوم من تهديدات من وحيد القرن لا تنسى أن يد الله فوقه، وأنه في قبضة الله، هذا هو الإيمان:
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي..))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
في بعض الروايات: فليظن بي ما يشاء، لا تظنن ظن سوء بالله، أنت لمجرد أن تقول: قد يعبد الإنسان ربه طوال حياته وقد يضعه في جهنم من قال لك ذلك؟ وقد يطيعه طوال حياته وقد يكون المصير في النار؟ قد يعصيه ويضعه في الجنة، ويطيعه ويضعه في النار، من قال لك ذلك؟ ألم يقل:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
[سورة الزلزلة: 7-8]
ألم يقل الله عز وجل:
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
[سورة غافر: 17]
ألم يقل الله عز وجل:
﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
[سورة الأعراف: 43]
ألم يقل الله عز وجل في الحديث القدسي:
((عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا...))
[مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ ]
عقيدة الجبر من أبرز العقائد الزائغة :
أخطر شيء في الدين أن تنفر الناس من الله عز وجل، وأن تلقي عليهم عقائد زائغة، ومن أبرز العقائد الزائغة عقيدة الجبر.
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
***
والعوام يقولون كلاماً يشبه هذا الكلام، يقولون: طاسات معدودة بأماكن محدودة، شرب الخمر مقدر على الإنسان، أجبره أن يشرب الخمر ثم يعذبه على هذا أهكذا الله عز وجل؟ هذه كلها عقائد زائغة، عقيدة الجبر، الخوف من طغاة الأرض، اتباع طرائق تثمير المال بأساليب ربوية من أجل حفظ المال، هذا كله من سوء الظن بالله عز وجل، لذلك آية واحدة والله أيها الأخوة تملأ نفس الإنسان غنى:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
[ سورة الجاثية: 21 ]
والله في أي مكان وزمان ونظام وعصر وأي إقليم وظرف:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة الجاثية: 21 ]
هذه الآية أصل في عدل الله عز وجل، كلما عرفته أحسنت الظن به، ووثقت به، وتوكلت عليه، وصدقت تطمينه.
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
[ سورة التوبة: 51 ]
وكلما عرفته ازددت حباً له، من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجبها أن تحبه ثم لا تطيعه.
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي .. ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
ما من عمل أعظم عند الله من تعريف الخلق بربهم :
قد يكون هناك ظاهرة جغرافية معينة ينبغي أن تعزوها إلى الله، ما معنى ذكر الله؟ أن تربط الناس بالله لا أن تربطهم بالطغاة، علامة عصر الشرك الناس مرتبطون بالطغاة، يستمع ساعات طويلة إلى الأخبار لا يرى إلا وحيد القرن وتصريحاته، أين الله؟ أن تذكر الله، وأنه واحد أحد، فرض صمد، وأن الأمر بيده، وأنه لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، وتذكر أن في السماء إله وفي الأرض إله، أن تربط الناس بالله، في السلوك أن تربطهم بالشرع، في العقيدة أن تربطهم بالقرآن، في الظواهر الكونية أن تربطهم بالله عز وجل، يكفي أن تقول: أمطرنا بنوء كذا وكذا فهذا نوع من الكفر، ويكفي أن تقول: أمطرنا برحمة الله فهذا نوع من الإيمان، أن تذكر الله في كل شيء، في كل موقف وتصرف، قد تقرأ مقالة تتناقض مع القرآن الكريم ينبغي أن تذكر للناس أن هذه المقالة غير صحيحة، وهي تتناقض مع الله عز وجل، أن تعرف الناس بالله عز وجل، ما من عمل أعظم عند الله من تعريف الخلق بربهم، الكلمة الطيبة صدقة، ويا علي:
(( فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))
[رواه البخاري عن سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ]
و :
(( خير له مما طلعت عليه الشمس ))
[ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ]
و :
(( خير لك من الدنيا وما فيها ))
[ تخريج أحاديث الإحياء للعراقي ]
((...َأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي .. ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
ما معنى معه هنا؟ هذه المعية معية خاصة، في القرآن معية عامة ومعية خاصة، المعية العامة وهو معكم أينما كنتم؛ مع الكافر، والملحد، و الطاغية، والمؤمن، والنبي، ليست واردة هنا، أما هنا المعية الخاصة، فأنا معكم بالحفظ، وبالتوفيق، وبالتأييد، وبالدعم. إذا أحبّ الله عبداً ألقى حبه في قلوب الخلق :
وقال الله:
﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي ﴾
[ سورة المائدة: 12]
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا مواطن بمملكة الملك معه عندئذ الملايين لا قيمة لها، إذا كان من بيده كل شيء معه ما قيمة هؤلاء الرعاع وهؤلاء السوقة وهذه الدهماء؟ لا قيمة لها إطلاقاً، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ إذا كان الله معك خدمك عدوك مقهوراً، وإذا كان الله ليس معك تطاول عليك أقرب الناس إليك:
﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾
[ سورة الحج: 18]
أنا معه إذا ذكرني، كلمة ذكرني واسعة جداً، في كل مظهر كوني يذكر الله، في الكسوف، والخسوف، والمطر، وفي كل موقف، وتصرف، وحكم، يذكر الله، الحقيقة الوحيدة في الكون هي الله، إن ذكرتها فأنت على حق، وإن غفلت عنها فأنت على باطل، ربط الناس بالله عقيدة وسلوكاً وتصرفات:
((وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ... ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
أنت صامت تقول: ما أعظم هذا الكون! ما أجمل هذا النبات! ما أروع هذا الخلق! تذكرت عظمة الله في خلقه، في الأمطار، والأشجار، والأسماك، وفي جمال الأرض، وكثرة النعم، ووفرة الماء:
((... إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ))
هناك شخص همه الحديث عن نفسه، وعن شخصياته، وعن بطولاته، و عن إنجازاته، ورحلاته، وحماقاته، أحياناً هو محور الحديث، وهناك شخص آخر همه تعريف الناس بالله، يضع نفسه في التعتيم لا يذكر نفسه أبداً:
((... وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ .. ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
إن ذكرت الله لتعرف الناس به ذكرك الله بأطيب سيرة، وأعطر قصة في أرقى مستوى، لذلك إذا أحبّ الله عبداً ألقى حبه في قلوب الخلق، تجد المؤمن محبوباً، الناس يعشقونه مع أنه لا يتحدث عن نفسه أبداً، يتحدث عن الله عز وجل، هذا مصداق قول الله عز وجل:
((..وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ..))
الله جلّ جلاله على علوه وعظمته يتجاوب مع أية حركة تجاهه :
إن صحّ التعبير ردة فعل الله أنت لمجرد أن تخطب ود الله في شيء؛ في صدقة، في ركعتين من الصلوات، في كلمة طيبة، وتسبيح، وتعظيم، أي تقرب إليه ترى أن الله سبحانه وتعالى ألقى في قلبك السكينة، والسعادة، والطمأنينة، ويسر لك الأمور، الله جلّ جلاله على علوه، وعظمته، يتجاوب مع أية حركة تجاهه، حركة بسيطة، النبي عليه الصلاة والسلام أحد أصحابه نزع عن ثوبه ريشة رفع يده إلى السماء وقال: جزاك الله خيراً، علامة المؤمن إذا قدمت له خدمة لا ينساها حتى الموت، وإذا فعلت أعمالاً بطولية مع الناس تنساها من توها، الله عز وجل من كمالاته أنك إذا تقربت إليه بصدقة، صدقة السر تطفئ غضب الرب.
(( باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة ))
[ أخرجه البيهقي عن أنس ]
تقربت إليه بركعتين، أو بصيام يوم، أو بطاعة، أو بحفظ كتاب الله، أو بتعليم العلم، يكافئك في الدنيا والآخرة، يوجد تجاوب، لمجرد أن تتقرب إلى الله تجد أن الأمور كلها تتحرك لصالحك:
((...وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
لمجرد أن تعقد التوبة مع الله تشعر براحة، لمجرد أن تتصدق يكافئك الله أضعافاً مضاعفة، وما نقص مال من صدقة، هذه حقيقة صارخة، فمهما كنت كريماً الله أكرم منك.
(( أنفق بلالُ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ))
[أخرجه الطبراني عن بلال ]
عبدي:
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
[ ابن ماجه عن أبي هريرة ]
والله مرة أخ بمكان لجمع المال في مسجد فيما أعتقد قال: معي خمسون ليرة ترددت بدفعها، أدفعها أم لا، معه خمسون وبقي معه خمس ليرات، فدفع الخمسين أقسم لي بعد يومين جاءه خمسة آلاف!
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
[ ابن ماجه عن أبي هريرة ]
ملخص الكلام: لمجرد أن تتحرك نحو الله حركة تأتيك عطاءات، و توفيقات، وتيسيرات، وإكرامات لا تعد ولا تحصى. من عرف الله ذاق من القرب ما لا يوصف :
أقول لكم أيها الأخوة: ما الذي يجعل المؤمن يمشي بطريق الإيمان بعزيمة قوية؟ لا لأن أفكار الدين منطقية، ولا لأن الدين قدم له تصورات راقية عن الكون والإنسان، الدين قدم له ذلك، لكن لأن الله سبحانه وتعالى حينما تتوب إليه تتبدل معاملته لك، في البيت ترى الكل حولك في أعلى درجة من الحب، تقول الزوجة: لم يكن كذلك، هناك تطور جذري طرأ عليه، إذا أحبك الله ألقى حبك في قلوب الخلق، ويسر لك الأمور.
لذلك هؤلاء الذين عرفوا الله وأحبوه ذاقوا من القرب ما لا يوصف:
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذنك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمـت غـريباً واشتياقاً لقـربنا
فما حبنا سهل وكل من ادعى سهـولته قـلنا لـه قد جهلتنا
***
هذا الحديث:
((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
هكذا التعامل مع الله عز وجل، ونحن في رمضان اصطلح مع الله، وتب إليه، وأحبه، إن أحببت مخلوقاً يموت فأنت خاسر، ينبغي أن تحب الواحد الحي، الأبدي، السرمدي، الذي لا يموت، إن أحببت الذي يموت فأنت قد قامرت وغامرت، لذلك لو كنت متخذاً خليلاً لكان أبو بكر خليلي ولكن أخ وصاحب في الله.
والحمد لله رب العالمين